هل نستحق القتل؟
في مقال سابق ذكرت ان الشيعة يدفعون ثمن تصرفات الحكام والموضوع يحتاج الى بحث مفصل، وفي هذه العجالة اذكر مصدرا واحدا ليتبيين للقارئ لماذا يقتلون الشيعة في كل مكان وزمان، لا لأنهم صفويون، بل لأنهم لايوالون كل حاكم استولى على السلطة، ولذلك سماهم التاريخ بالرافضة، وذلك لرفضهم من سيّس الدين وادعى خلافة من لم يستخلفه.
فالشيعة بشكل عام يفصلون بين الامامة والحكومة، فقد يكون الامام حاكما، ولكن لايمكن للحاكم ان يكون اماما الا بتنصيب من الله سبحانه وتعالى، وهذا ليس بعيب في زمن الانفتاح والتعقل، وكلنا يرى المعارضة السياسية ويتابع أخبارهم وآثارهم، ولو قتل الحاكم المعارضة لمعارضتهم لحكمه اعتبره العرف الدولي ظالما مستبدا (كما يقولون بالنسبة لبشار الاسد ظلما وعدوانا).
هذا كله يشمل كل دين ومعتقد و… الا انه لايشمل الشيعة، لأن تسييس الدين هو المشكل الاساسي المؤدي الى قتل الشيعة.
ففي بعض دول اليوم مثلا، لايجوز مخالفة الولي والملك والرئيس والأمير لأن دينهم عين سياستهم، وليس العكس، وهكذا كان الامر في صفحات التاريخ، فمن خالف الحاكم الاسلامي كان محكوما بالموت والفناء، او التشريد و… كأبي ذر صحابي رسول الله صلى الله عليه وآله وغيره.
مواكبة للعصر و بمناسبة حادثة نيجيريا الاليمة وقتل المئات من الشيعة الابرياء، دعوني اذكر لكم مقطعا من التاريخ ذكره ابن الاثير حول افريقيا:
يقول ابن الاثير في ذيل احداث سنة 407 للهجرة: في هذه السنة في المحرم قُتلت الشيعة بجميع بلاد افريقية. وكان سبب ذلك ان المعز بن باديس ركب ومشى في القيروان والناس يسلمون عليه ويدعون له، فاجتاز بجماعة، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر، فقال: رضي الله عن ابي بكر وعمر! فانصرفت العامة من فورها الى درب المقلى من القيروان، وهو حومة تجتمع فيه الشيعة، فقتلوا منهم، وكان ذلك شهوة العسكر واتباعهم، طمعا في النهب، وانبسطت ايدي العامة في الشيعة، واغراهم عامل القيروان وحرضهم.
وسبب ذلك انه كان قد أصلح أمور البلد، فبلغه ان المعز بن باديس يريد عزله، فأراد فساده، فقتل من الشيعة خلق كثير، واحرقوا بالنار، ونهبت ديارهم، وقُتلوا في جميع افريقية، واجتمع جماعة منهم الى قصر المنصور قريب القيروان، فتحصنوا به، فحصرهم العامة وضيقوا عليهم، فاشتد عليهم الجوع، فاقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم حتى قُتلوا عن اخرهم، ولجأ من كان منهم بالمهدية الى الجامع فقُتلوا كلهم.
وكانت الشيعة تسمى بالمغرب بالمشارقة نسبة الى ابي عبد الله الشيعي، وكان من المشرق، واكثر الشعراء ذكر هذه الحادثة، فمن فرح مسرور ومن باك حزين. (الكامل في التاريخ 9/295 ).
ثم يضيف ذيل وقائع سنة 423 للهجرة: وفيها اجتمع ناس كثير من الشيعة بافريقية، وساروا الى اعمال نفطة، فاستولوا على بلد منها واستوطنوه، فجرد إليهم المعز عسكرا، فدخلوا البلاد وحاربوا الشيعة وقتلوهم اجمعين…
انتهى كلام ابن الاثير..
فيا ترى ماهو خيارنا غير البيعة، الكل يريدنا تابعين ونحن أبينا البيعة لحاكم لم نثق به، وذلك لأنه وضع نفسه موضع رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يريد الا السيطرة علينا، فلو كان بانتخاب عموم الناس لكنا كعامة الناس، نشارك او لانشارك في الانتخابات. لكن من يسمي نفسه حاكما باسم الدين نرفضه وهذا من حقنا، كما الاخرون.
هذا معاوية خال المؤمنين(!!) الذي قتل عائشة ام المؤمنين (!!) واخوتها، ولم يترك اثرا لقبرها، وكان السبب المباشر في قتل الآلاف من المسلمين في معركة صفين من أجل هدفه الاسمى الذي قال عنه: (ما قاتلتكم لتصلوا ولا تصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتآمر عليكم وعلى رقابكم …..)
وقال في رده الأعمش ( هل رأيتم رجلاً أقل حياء منه ؟ قتل سبعين ألفا فيهم عمار وخزيمة وحجر وعمرو بن الحمق ومحمد بن ابي بكر والآشتر وأويس وأبن صوحان وابن التيهان وعائشة وأبي حسان ثم يقول هذا ؟ !!! ) كما في الصراط المستقيم ج3ص47، وغيره من كتب السيرة.
فالشيعة لهم (كما للآخرين) رأيهم، فانهم لم يشهروا السلاح طيلة عمرهم، ولم يتواطئوا ضد اي حاكم، بل التزموا بمعتقداتهم فحسب، يشاركون الانتخابات في كل الدول، حالهم حال عامة الناس، لكنهم لايبايعون، فهل يستحقون القتل؟
محمد تقي الذاكري
١٩ ديسمبر ٢٠١٥
اصطنبول- تركيا