الاعدام يشوه السمعة

عندما ا قرت المحكمة اليمنية العليا حكم الاعدام بالنسبة الى شباب يمنيين خطفوا اجانب في العاصمة صنعاء، ذهبت الى السفير اليمني في بيروت مع موعد مسبق، وكان زيدي المذهب. فاستقبلني بحفاوة حتى وكأنه لم يلتقي برجل دين شيعي من قبل.

ثم بادرت بالكلام (بعد المجاملات) حول ( تجمع المسلم الحر) ونشاطاته في تثقيف المجتمع على اساس اللاعنف، وانه مكلف من قبل المرجعية الشيعية عموما ومن قبل الامام الشيرازي (رحمه الله) خصوصا، لمتابعة قضايا اللاعنف ، وشرحت له سبب الزيارة هذه وان حادث الاختطاف الذي حصل في اليمن هو حادث مؤلم ومفجع في حق الاسلام اولا،مضافا الى  ان الخاطفين هم من الطبقة المتشرعة ولايجوز تنفيذ حكم الاعدام في حقهم، وان الاعدام ليس هو الحل بل يزيد في الطين بلة…

فقاطعني وقال: هل جئتم لتطلبوا اطلاق سراحهم لأنهم متدينين !

فقلت له: ياسعادة السفير هذا شأن يمني، دولة وقضاءا، الا اننا ننظر الى المسألة من جهة اخرى، فان السياسة الغربية تجاه الدول الاسلامية ورعاياها خاصة، هي سياسة غير عادلة والمجتمع عندما يرى نفسه مظطهد ومظلوم ليس له الا رد الفعل.

فالمجتمع المسلم يرى امريكا تدعم اسرائيل ، وكما تعرفون، فأن اسرائيل هي اس الارهاب في المنطقة، وان الشعب الفلسطيني ليس له الحياة الا في ظل نظام صهيوني، والا فالقتل والدمار و..

فهل ياترى ياسعادة السفير، ماذا يمكن ان نتصور من الشاب المتحمس دينيا ومندفع نحو العمل الاسلامي ونصرة المظلوم وليس في مجتمعاتنا مؤسسات تدعو الى اللاعنف وترشد المناظل الى الطريق السليم…

فامشكلة ليست في الشاب المسلم ولا في الدعوة الى العمل الديني فحسب، بل المشكلة في عدم وجود ارضية مناسبة تدعو الشاب والمجتمع الى اللاعنف ايضا، من جهة اخرى، ان الانظمة العربية والاسلامية الموجودة لاتفسح المجال للاسلاميين وان ادعوا التزامهم باللاعنف، كما حصل في مصر والاردن نوعا ما.

وكلامي ليس في الحريات وعدمها في الوقت الحضر، وانما اردت مناقشة موضوع الخاطفين، فالاندفاع الديني من جهة واستغلال ذلك من قبل بعض المترطفين من جهة اخرى بحاجة الى علاج حقيقي وانني اجزم ان الحل ليس في  تنفيذ حكم الاعدام.

ونحن نتصور انه اذا ما انشأتم لجنة لدراسة الحلول الممكنة ، و مدرسة لتثقيف السجناء على ثقافة اللاعنف، سترون التغيير الجذري في تصرفات الشباب والمجتمع، ومن ثم وبعد التأكد من ذلك، يمكن اطلاق سراح السجناء في ضروف استثنائية ضمن برنامج عفو رئاسي وبشكل مشروط.

فالحكم عليهم بالسجن المؤبد مثلا افضل من حكم الاعدام، واذا كان ولابد ، فيمكن تأجيل التنفيذ ريثما تتم تجربة اسلوب اللاعنف على الاقل.

مضافا الى ان اعدام مثل هؤلاء سيخلق حالة بطولة عند آخرين… وقطرة الدم لاتبقى قطرة واحدة وانتم اعرف بالحالات القبلية وما الى ذلك…

   ثم شرحت له كيف ان الامام الشيرازي اصر على المسؤولين الايرانيين (في بداية الثورة) -وبواسطة الشيخ محمد يزدي الذي اصبح فيما بعد رئيسا للقوة القضائية-  لوقف نزيف الدم والغاء احكام الاعدام، كائنا من كان، وكيف انهم تمكنوا من استقطاب الشباب الذين انخرطوا في احزاب مناوئه للنظام، وان المعارضة الفعلية نتج بسبب اراقة تلك الدماء، ولو ان النظام كان مستمرا في الاعدامات لما كان باقيا الى هذا اليوم.

ثم قلت: وفي المقابل ، يمكن حل الموضوع بانشاء مدارس تأهيل في السجون والعمل الحثيث لاقناع معتقدي العمل العسكري،  بأن العمل السياسي السلمي اجدى واقرب الى النتائج.

هذا اذا اردنا حل الموضوع.

وختمت كلامي برسالة شفهية من قبل الامام الشيرازي الى الرئيس علي عبدالله صالح،حيث اشار فيها( رحمه الله) الى نقاط اربعة:

الاولى: ان اصدار او تنفيذ احكام الاعدام بالاضافة الى كونها ظاهرة غير حظارية، فانها تؤدي الى تشويه سمعة الحكم والحاكم.

الثانية:اليمن بحاجة الى جذب رؤوس الاموال وانها لا تأتي الا الى دولة مسقرة تحكمها الحريات.

الثالثة: ان مثل هذه الاحكام تجعل الحاكم في مواجهة الشعب، وهذا يعني سقوط الفضائل التي طالما كنتم تهتمون بتطبيقها ، وبها تميزتم.

الرابعة: الندم على العفو افضل من الندم على تنفيذ الحكم.

10/1/2002

واشنطن – امريكا


شارك مع: