بعد عشرون عام

اجتمع ائمة الجمعة ( وشخصيات سياسية من رجال الدين )  في اول مؤتمر رسمي لهم بعد الثورة لمناقشة مايرتبط بهذا المنصب الذي يتعين من قبل الامام الخميني – او خليفته –  وكل مايمكن ان يستفاد منه والتنسيق بينهم والدولة و…

وفي هذا الاجتماع تقرر تأسيس مكتب العلاقات العامة لأئمة وخطباء الجمعة ،  وذلك لايجاد حلقة ربط تربطهم فيما بينهم من جهة (كذا قالوا ابان الثورة، الا انها اصبحت حلقة ربط بينهم ووزارة الاطلاعات- الاستخبارات –  فيما بعد) ومن جهة اخرى تحل مشاكل النظام مع الشعب  ، وان يكونوا وسطاء في تفهيم افكارالدولة  الى الشعب الذي يجب عليه ان  يحضر في  صلاة الجمعة  ويتثقف بثقافة الثورة.

وكان الاجتماع الذي دام ثلاثة ايام في منزل الشيخ على مشكيني الذي تعين رئيسا لمجلس الخبراء فيما بعد، وامام جمعة مدينة قم المقدسة.

وبهذه المناسبة فقد وصل الى قم اكثر من 80 رجل دين يتضلع بالسياسة او يمارسها حاليا، اذ ان بعضهم كان لايعتقد بالسياسة الا ان الضروف والاجواء هي التي اجبرته على ذلك.

وكانت مناسبة جيدة ليزور هؤلاء الامام الشرازي في دارته بقم للتعرف عليه او لتمتين العلاقة معه ، اذ ان الامام (رحمه الله) كان في العراق حيث يزور علماء الشيعة مراقد الأئمة(عليهم السلام) في كل عام مرتين على الاقل،  مضافا الى ان الامام الشيرازي (رحمه الله)   كان من القلائل الذين يعتقدون بالعمل السياسي واقامة دولة اسلامية،  وكان كثير النشاط والحركة والهمة العالية، وهو الذي اوصل صوت الثورة الى العالم (كما صرح به اردشير زاهدي مسؤول المخابرات الايرانية في العهد الملكي) عبر علاقاته مع الشخصيات العلمية والدينية والمراكز الاسلامية، وذلك لكثرة وكلائه في اغلب مناطق العالم ، وكثرة مراكزه واتصالاته عبرالرابطة الاسلامية التي كانت تنشرفي كل شهر الآلاف من الكتب الدينية والتوعوية وترسل مجانا الى اكثر من مئة الف عنوان في العالم الاسلامي والغربي .

وكانت الثورة في بدايتها والعلماء بحاجة الى لقاءات استشارية ، ومواضيع اسلامية وسياسية كثيرة مطروحة للنقاش العلمي مثل الحدود والتعزيرات، والجهاد، والاصلاح الزراعي في الاسلام،  واقامة الدولة الاسلامية، وحدود ولاية الفقيه (المطلقة او المقيدة بالنصوص)، والاحزاب، حرمة او وجوبا!، والحريات الاسلامية وحدودها، وهل ان الاسلام يستعمل العنف في تطبيق الشريعة او له اسلوب خاص، وكيف يتعامل النظام مع الاديان والمذاهب، و…

فاخذوا يتوافدون عليه ويتحدثون معه ليستفادوا من تجربته الطويلة  في العمل السياسي ، وبما انه واخوه المرحوم السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) الذي اغتيل في لبنان،  كان اول من كتب في اقامة الدولة الاسلامية في عصر الغيبة الكبرى ، وموضوع ولاية الفقيه، وطرح ولاية شورى الفقهاء المراجع وناقشها في  لقاءاته  مع علماء العراق وايران وغيرهما وكتبه و…

من جهة ثانية كان الامام الشيرازي (رحمه الله) يترقب مثل هذه الزيارات ليطرح افكاره الاصلاحية وينتقد ماحصل ابان الثورة من اموركان على الامام الخميني (رحمه الله)  تفاديها، وامور كانت مقررة مثل اصدار العفو العام الذي هو من مفاخر الاسلام منذ عهد رسول الله (ص) وعندما دخل الاسلام الى مكة فاتحا، حيث اصدر رسول الله (ص) العفو العام.

 واكثر من ذلك، فانه اعتبر بيت ابوسفيان الذي كان وزير وممول الحرب ضد الرسول (ص)  والاسلام منزلا آمنا ومن دخله كان آمنا.

وقد حصل هذا الاتفاق بين الامام الشيرازي (رحمه الله) والامام الخميني في العراق قبل نجاح الثورة بأكثر من خمسة عشرة عام بمساعي المرحوم السيد كمال المرتضوي  والسيد اللواساني الكبير، وهما  من علماء طهران، وآخرون كانويتوافدون الى العراق  وبعضهم احياء لا اذكر هم  خوفا من امور قد تحصل لهم.

وفي المقابل هناك تقاليد واعراف وان للقادم كرامة ويجب على الامام الشيرازي (رحمه الله) ان يرد كل هذه الزيارت،  وقد استغلها الامام الشيرازي (رحمه الله)لطرح الافكار وفي خدمة الاسللام،  واذكر بعض هذه اللقاءات التي حصلت للمثال لا ا لحصر:

مع المرحوم الدكتور بهشتي، ودستغيب، والقاضي الطباطبائي، والشيخ رفسنجاني، والسيد احمد خميني ، وكثير من اعضاء الحزب الجمهوري، ونواب في البرلمان الايراني، واعضاء في مجلس الخبراء، واعضاء في مجلس صيانة الدستور، وغيرهم من مسؤولي النظام ، وكل على حدة.

وتكلم الامام الشيرازي (رحمه الله) معهم حول حرية واستقلال المرجعية والحوزة العلمية والأخذ بآرائها او استشارتها (لأنهم امناء الرسل وحجج الله على الخلق في زمن الغيبة والاخصائيين في الاسلام )، و اعطاء الحريات للشعب وتقسيم القدرة فيما بينهم و الاتجاهات السياسية الموجودة والخاضعة لسيطرة الامام الخميني (رحمه الله) اولا،  والشعب ثانيا، وان تكون هناك تنافس  واستباق للخير(كما في الآية الكريمة) وتأسيس احزاب اسلامية واقعية تكون خاضعة للدستور، وتقليص دور الدولة في الجانب الاقتصادي، والغاء الضرائب والمكوس، وضريبة البلدية (المتعارف عليها في ايران منذ عهد الشاه والموجودة الى هذا اليوم) وتوزيع الاراضي بين الناس مجانا، وفسح المجال للشعب في بناء نفسه ومجتمعه،  والمصالحة العامة مع كل الفئات الموجودة على الساحة آنذاك، وايجاد توازن بين الشرق والغرب، و الاهتمام بالعلاقة مع الغرب ومن يدور في فلكه، وروسيا من جهة والدول الصغيرة الخاضعة لها من جهة اخرى، وكل على حدة، والدول الشرقية والاتجاه الماركسي والدول الاخرى، وبناء علاقة مميزة  مع الدول الاسلامية والعربية من دون استثناء و.. .

وكلهم كان يستشكل في جدوائية هذه الافكار ويقول:

1- الشعب الايراني غير ناضج!

2- تعددية الاحزاب تسبب الدمار كما نشاهده في افغانستان ولبنان، بالاضافة الى انها غير موجودة اصلا في الاسلام، وان الموجود هو حزب واحد وهو حزب الله وان حزب الله هم الغالبون ( كما في الآية الكريمة) .

3- الفئات الموجودة اليوم على الساحة الايرانية كلها خاضعة لرأي الامام الخميني.

4- الحرية غير مسموح بها في الاسلام او ان فيها خلاف بين الفقهاء، ولو اعطيناها للشعب فلن يبقى للنظام الاسلامي مجال اذ كثير من الشعب لايريد الاسلام عملا.

5- الاقتصاد الحر يوجب تحكم رأس المال  في البلاد.

6- والاتجاهات الناشطة خاضعة لسيطرة الامام الخميني و لاخلاف بينها واحتمال الخلاف غير وارد على الاطلاق، وتشكيل احزاب فيهم ومنهم يعني التفرقة بينهم و…

7- وان الدول الغربية يجب ان نصفعها صفعة قوية.

8- وان الدول العربية والاسلامية غير مستقلة وعلينا المساهمة في الاطاحة بهم عبر تحريك الشعب المسلم وان هؤلاء هم الظلمة المذكورون في الكتاب والسنة و..

9- واننا نبيع الاراضي بدلا من اعطائها للشعب مجانا ونجني المال لصالح الخزانة.

10- واننا نكتفي بالعلاقة مع الشرق ونعتبره السد المنيع امام الغرب وامريكا  بالذات.

 والكثير من الاشكالات التي كانت تدل على عدم جدوائية طرح هذه المواضيع من قبل الامام الشيرازي (رحمه الله).

ومع ذلك كان الامام الشيرازي (رحمه الله ) يناقشهم ويظهر الادلة والبراهين لكلامه، وبالاخص فيما يرتبط  بروسيا والعلاقة معها كسد منيع، فكان الامام الشيرازي(رحمه الله) يقول لهم:

انا والله ارى تقطيع روسيا وسقوط الهيمنة الغربية في وقت قريب لايتجاوز العشرون عام!!!

والكل كان يبتسم.

وعندما رأى (رحمه الله) انهم غير متفهمي هذه الرؤى والتصورات كان يقول لهم: انتظروا عشرين عام حتى تصدقوا ما اقول.

واتذكر في بعض الايام ونحن في طريق العودة من بعض الزيارات سمعته (رحمه الله) يتأوه ويقول: عشرون عاما والله عمر جيل واحد.

وهكذا نرى تحقيق ما قال طاب ثراه.

فان الاتحاد السوفيتي قد انهار.

الجبهة  الواحدة  في النظام الايراني اصبحت كالجراد المنتشر.

 ففي رجال الدين ، بعضهم (روحانيت مبارز) وبعض آخر(روحانيت مجاهد) وآخرون (درخط امام) وآخرون ( بيش تاز) وآخرون (اصلاحي)و.. .

والخط الثوري ذاك اليوم،اصبح اليوم اصلاحي ومتطرف في اصلاحه.

و الجبهة الشعبية(جبهه ملي) والديمقراطية،والمؤتلفة،  ومجاهدين انقلاب اسلامي، والطلبة الجامعيين وانشقاقاتهم.

والمعارضة السياسية، والمسلحة، والمتطرفين، والمحافظين، و الملكيين، و..  والسجون مليئة برجال الدين والمثقفين و… المعارضين للدولة.

 واليوم ونحن على عتبة ذكرى نجاح الثورة الايرانية ومرور حوالي عشرون عام على ماتنبأ به  الامام الشيرازي (رحمه الله) وفي ايران كل يجر النار الى قرصه وكل يدعي وصلا بليلا!!

حتى ان كلام الامام الخمينى (رحمه الله) في الجانب السياسي  اصبح اليوم خبركان واخواتها و…الى الله المشتكى ومن سيجيب عما حدث والى متى والامة الاسلامية الى… .

    واشنطن – امريكا    

10/1/2002

شارك مع: