عندما نكتب عن ضيوف الحسين !

محمد تقي الذاكري
 
تمر علينا الايام والليالي لنستقبل زيارة الاربعين وضيوف الحسين عليه السلام الذين يتوافدون من مختلف الاقطار، داخل العراق وخارجه، ومن مختلف الجنسيات، وكل منهم يحمل ثقافة معينة، وفي هذه الضروف تتهيأ المواكب الحسينية بمسميات مختلفة ومن مختلف الامصار ايضا، لاستضافة هذا الجمع الغفير، والذي يجمعنا واياهم، بالاضافة الى الدين والمعتقد، اننا واياهم كلنا ضيوف الحسين عليه السلام.
ومن خلال زيارتي الى هذه المدينة المقدسة عثرت على كتاب كتبها شيعي يبدو انه من مدينة الكاظمية على ساكنها الاف التحية والثناء، كتب عن تراجيديا كربلاء، وما ذكر الناشر من شخصية كاتبه انه يحمل دكتوراه فلسفة من جامعة برلين الغربية ودرّس في بعض جامعات برلين وحصل على مرتبة استاذ مشارك، وحسب التعبير العراقي ( انياله على هذه الدرجه) لكن ومع الاسف الشديد كتب كتابه عن قضية عاشوراء بعظمتها عندما صار علماني وابتعد عن الدين جملة وتفصيلا، الا في الهوية!
ومع الاسف، مع تصريحه بان دراسته من اولى الدراسات الاجتماعية التى تتناول مثل هذه الظواهر الشديدة الحساسية و ….، نجده يكتب عن أهم حدث في الخلقة والخليقة من دون ان يلتفت من الجوانب الاربعة، ويتابع فيما اذا سبقه أحد من ذوي الاختصاص، العلماء الذين درسوا التاريخ والفقه والحديث وطحنوها في مطاحن البحث العلمي و… وقبل ذلك بدأ وانتهى في كتابه الى بيان الاشكالات التي يراها كل جاهل، ولم يلتفت ومع الاسف الى مايراها العالم والمفكر، مع جلالة قدره !!!!
كلنا يعيش المجتمع، وكلنا يقيم احتفالات او يشارك في الكثير منها، ويرى مايراه الاخرون، لكن قليل من الناس من يلتفت الى مابين الاسطر ويقرأ القضايا من زوايا معرفية.
فتتطرق الى الصراعات العراقية المحلية وتعمق فيها طعنا في ضيوف اعظم شخصية في التاريخ الاسلام والبشرية ايضا، وهو الحسين عليه السلام، جده رسول الله صلى الله عليه واله أعظم شخصية بعثها الله لأحياء المجتمع وانقاذ البشرية، وابوه أمير المؤمنين عليه السلام أعدل حاكم بعد رسول الله على الاطلاق، وامه أعظم امرأة عرفها التاريخ و… ونسي هدفه من الكتاب في بيان تراجيديا كربلاء.
فياحبذا لو تفكر قليلا و وضع نفسه مكان صاحب القضية والضيافة.
فلو استضفنا جمع غفير كان اقله نصف مليون، كما اشار المؤلف، وفي العام المنصرم اكثر من ١٠ مليون انسان، في محفل او مهرجان ما، وحصل مايحصل في كل المجتمعات من نقاشات، وجاء شخص غير متخصص في ابداء الرأى في مثل هذه القضايا وتهجم على ضيوفنا، بنقل السلبيات حتى الصغيرة، تاركا كل الايجابيات والحوارات البناءة، ماذا يمكن لنا ان نقول؟
القضية الحسينية كتب عنها الالاف من المؤلفين، شارك في تدوينها رسول الله صلى الله عليه وآله وجميع المعصومين عليهم السلام وروى تفاصيلها الامام الباقر عليه السلام، وأقر بتفاصيلها جمهرة من الفقهاء، فيأتي أحدنا ليتضاهر بعلمه متهجما على الاكثرية من الفقهاء ويبدي رأيه من غير تخصص.
يا حبذا لو سمح لنفسه ان يلتقي بشخصيات علمية من غير توجهه الفكري ويستمع اليهم ويتأمل في أدلتهم، ولكنه وضع اصبعه على امور ليسجل نقاط على الحسين وجده وابيه وامه واولاده، بل ومذهبه و… في التاريخ مشوها تاريخ هذه التراجيديا العظيمة ليأتي من بعده  اخرون يستندون الى كلامه و الى هذا الكتاب الذي حمل عنوانا جميلا ولكن في الواقع أقل مايمكن القول فيه انه كالمرأة الحسناء في منبت سوء!
فلو كان عراقيا ( كما عرّفه الناشر) لأخذته الحمية ونظر الى الالاف من النقاط الايجابية في القضية الحسينية و وضع الحلول بدل مطالبته بالاصلاح (!) فالاصلاح يطلق عند وجود مفاسد، ولو رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسأله: لماذا شوّهت تاريخ ضيوف ابني الحسين، فماذا سيجيب؟
هب انه يقول انا ذكرتها للاصلاح!
ولكنه ربما يسمع من رسول الله: ومن اين أتيت بعلم الاصلاح وانت تعلمت الفلسفة الغربية التي هي بعيده عن الاسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام وباجماع الفقهاء على مر التاريخ؟
فان الكثير من العلماء يحرّم الفلسفة بشكل عام فكيف بالفلسفة الغربية، وهذه حوزة النجف الاشرف وغيرها من الحوزات تدل على صحة كلامنا. نعم الدولة الايرانية ومن في فلكها تروّج للفلسفة.
ولو قال له الرسول ايضا: هل انت اصلحت الاقربين في مجتمعك اولا؟
وهل أكملت الاصلاحات الاجتماعية وبقيت هذه فقط لكي تتفرغ لها وتكتب من دون استيعاب؟
نعم ارجو ان نلتفت عندما نكتب عن المعتقدات ان للدين والمعتقد ذوي اختصاص ايضا كما لبقيّت العلوم، فعلى الأقل نسمع اليهم، لعلهم على صواب ونحن على غيره.
اننا وفي مجتمعاتنا نلتفت الى كل الجوانب ونفكر فيما نريد القول حتى لايزعل أحد من كلامنا او تصرفاتنا، لكن عندما نقدم على الحسين وعظمة قضيته ننسى كل ذلك ونُغمض العين فاتحين الفم لنتفوّه بمايصدر منه. مع الاسف.
 
٢٧ سبتمبر
شارك مع: