العظيم، مظلوم في القاهرة(!)

في الاسبوع الاول من شهر ربيع الاول ١٤٤٤ حاولت زيارة شخصية عظيمة لها أثرها في تاريخ الانسانية آنذاك، لكن رأيت هذا العظيم، اليوم مظلوم في القاهرة، كان بودي ان اتبرك بالنظر الى مقامه الشامخ.

استنقص شخصيته الدهر وأهمل ذكره المؤرخون مع جلالة قدره وتحمله لمسؤولية جسيمة حيث أنه حمل منشور الانسانية من يد اعظم وأعدل حاكم عرفه التاريخ.

اقرت الامم المتحدة بأن هذا المنشور (عهد علي عليه السلام الى مالك الاشتر) هو اعظم ما كُتِب في هذا المجال، وكاتبه كان ولايزال (بعد اكثر من ١٤٠٠ سنة) أعدل حاكم حكم الكرة الارضية.

قال عليه السلام: قلت يارسول الله، ادعو لي بالمغفرة.

ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يناجي ربه ويقول: الهي بحق علي عندك، إغفر لعلي.

قلت يارسول الله، ماهذا الدعاء؟

 فقال: يا علي، بحثت في جميع الخلائق ولم اجد اعظم منزلة عند الله غيرك. انتهى بتصرف.

فمالك الاشتر الذي انتخبه علي عليه السلام والياً على مصر و قُتل مسموماً في منطقة قلزم بالقرب من القاهرة بواسطة انسان موالي له ومحب، لكنه ساذج (!!) استعمله عمر بن العاص ليسقي مالك السُم…

عظيم كان في خدمة عظيم، خانته الأمانة (!) عندما اعتمد على سذاجة مؤمن لايقصد له الا الخير ، فشرب كأساً من عسل مسموم دسه اليه معاوية عبر احقر والي حَكَمَ مصر على مر العصور، عُرِف بالشيطنة والغدر، بال على نفسه عندما واجهه علياً علي السلام.

ومن غرائب الأمر أن كل انسان في العالم يُعرّف بأعلى شرفية منه، إلا مالك، فإنه عُرف في القاهرة بهندي متواضع خدم ودفن في المقام، وبما ان العربي يقابله العجمي، فاشتُهر مالك بالعجمي، ولم يُشتهر بولائه ومقامه عند علي عليه السلام، أو صولاته و بطولاته.

وفي الكلام المنسوب الى أمير المؤمنين عليه السلام: كان لي مالك، كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله.

مالك هذا كان التطبيق العملي لكلام أمير الكلام حيث قال: اذا اقبلت الدنيا اعارته محاسن غيره، واذا ادبرت سلبته محاسن نفسه.

فمقام مالك هذا يقع فى منتصف شارع القلج بحى المرج بشرق القاهرة في قرية القلج وهي إحدى أحياء المرج، وهي المدخل الشمالي الشرقي لمدينة القاهرة والمدخل الجنوبي لمحافظة القليوبية.

وهذه المنطقه اليوم لايزورها زائر لعلل مختلفة، منها دناءة الخدمات و…

و كان مالك رحمه الله (على ماقيل) يمنى الأصل، أسلم فى عهد الرسول صلى الله عليه وآله دون أن يراه، واشتهر بالأشتر بعد أن ضربه جندى رومانى بيزنطي فى معركة اليرموك على رأسه فشترت عينه، وهى المعركة الحاسمة التى انتصر فيها المسلمون العرب على البيزنطيين فى عهد عمر بن الخطاب.

وقال الإمام على عليه السلام فى خطابه للمصريين الذى حمله الأشتر فى طريقه لمصر: «أمّا بعد، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرّوع، أشدّ على الفجّار من حريق النّار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف الله لا كليل الظّبة، ولا نابى الضّريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخّر ولا يقدّم إلّا عن أمرى، وقد آثرتكم به على نفسى لنصيحته لكم، وشدّة شكيمته على عدوّكم».

و لأنه كان من موالي أمير المؤمنين عليه السلام فاختلفت الروايات على مكان دفنه، فمنهم من قال انه مات و دفن في المرج، و منهم من قال إنه مات فى بورسعيد، وآخرون قالوا انه دفن في المدينة.

التفت حول الضريح الأسرار والغموض بسبب زواره الأجانب من الجنسيات الآسيوية، من الهنود والأفغان، الذين يأتونه كل عام للتبرك به والصلاة في المقام.

أما زواره من الشيعة المصريين والعرب فهم كثر، يأتون إليه فى كل مناسبة شيعية وأهمها عيد الغدير لاعتقادهم بأنه اليوم الذى تم تعيين الإمام على بن أبى طالب كخليفة من بعده بمبايعة الصحابة.

أما المصريون وجيران الضريح يعرفونه بالشيخ العجمى صاحب الكرامات.

وبحسب طقوس زواره من الشيعة، يحيون يوم مماته بالتبرك والصلاة و سرد انتصاراته وتصوير محاسنه، والتحدث عن شجاعته وبطولاته، وإقامة مجالس العزاء له والدعاء.

وذاع صيت الضريح بعدما اعتبرته طائفة البهرة، ومقرها فى الهند، من أهم مزاراتها المهمة فى مصر بعد أن دفن بجوار صاحب الضريح شقيق سلطان البهرة الشيخ يوسف نجم الدين المتوفى فى عام 2004 ميلاديا، والذى نقلت رفاته بناءً على وصيته، ما يؤكد قدسية المكان للطائفة الشيعية الإسماعيلية، و من بعدها فوجئ أهالى المرج بأعمال ترميم فى الضريح وبناء حدائق ومبان على الطراز الهندى.

وبعد ثورة يناير، زار المكان العشرات من الإيرانيين ورموز المراجع الشيعية فى إيران والعراق، وعدد من أتباع طائفة البهرة يقومون بإحياء طقوس واحتفالات خاصة بهم.

وفرض الأمن وخدام الضريح إجراءات مشددة تمنع الاقتراب من الضريح وقت الاحتفالات الشيعية، أو قدوم سلطان البهرة إلى مصر، وبحسب المواقع الشيعية وضع شرح تفصيلى للمكان.

ففى الداخل يوجد طريق طويل وسط حديقة يصل إلى مبنى صغير على الطراز الهندى به غرفةٌ واسعةٍ، مكونة من أربعة أبواب ونوافذ علوية، وتعلوها مئذنتان أسفلهما ضريح مزين بالآيات القرآنية، ولافتة مصنوعة من الرخام كتب عليها: «هذا مقام السيد الجليل والقائد النبيل مالك الأشتر النخعى، الشهير بالسيد العجمى، من مات غريباً فقد مات شهيداً، توفى سنة 37 هجرياً».

وتسبب الضريح فى أكثر من مرة فى وقوع مناوشات بين زوار الشيعة وائتلاف سلفية مناهضة للشيعة، الذين اعترضوا فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى تجمعات شيعية متجهة للضريح، وزعمت الائتلافات السلفية أن الأهالى هم من رفضوا تواجد الشيعة، وزعم الشيعة أن السلفية حرضوا الأهالى بأن الشيعة يقومون بسب الصحابة وإقامة احتفالات داخل الضريح اعتبرها المتطرفون من السنة انها مسيئة للإسلام، وهو الأمر الذى تسبب فى إقامة باب حديدى يقف أمامه زوار الضريح.

فرحمه الله كان عظيماً واستُشهد مظلوماً مسموماً، لكن التاريخ الانساني اخلده في ذاكرته، وسيمتلىء المقام من رواده ومحبيه اذا تطبقّت الديمقراطية في مصر، وإنه ليس ببعيد.

شارك مع: