الحرية ولا القفص الذهبي!
كلمة قالها الامام المرجع وكتبها في كتاب لم يُطبع بعد، وهي كلمة لها مغزى لايعرفها الا من سُجن.
سُجنت انا في زنزانة انفرادية على الأغلب، في سجن توحيد الايرانية بوسط طهران ١٨ شهر مع التعذيب النفسي واحياناً الجسدي خلال فترة ٩٤ حتى ٩٦ (وكان الاتهام: انت وكيل السيد الشيرازي، والسيد مخالف للنظام، فأنت تعمل مع جهاز يتعارض والنظام الحاكم في ايران، هذا مافهمته من جلسة المحاكمة التي طالت ٣ دقائق فقط، وعندما طلبت منه الدليل في ان السيد الشيرازي مخالف للنظام، قال القاضي حسينيان، المعروف بقسوته: اطلع برّا(!)
وبعد ان اشتُهر السجن بالتعذيب وقُتل فيه اُناس كثيرون، غيرت السياسة (التي أسمت نفسها: الاصلاحية شكل السجن ) من سجن الى متحف، وفيه تم استعراض لتماثيل من سجناء الثورة قبيل سقوط الشاه، وانواع التعذيب الذي كان يُمارس مع سجناء الثورة فيه. هكذا قالوا.
ولم يذكروا من وضع وتفاصيل تعذيب سجناء مابعد الثورة حتى اغلاق السجن سيء الصيت، مع ان السبب في غلق السجن هو الجرائم التي اُرتكبت فيه باسم الاسلام. علماً انهم استعملوا أساليب في تعذيب السجناء تفوق ماكانت تستعملها الاسخبارات في عهد الشاه المشؤوم.
ولو كان السبب في تغيير السجن هو الثورة لكان التغيير حصل في بدايات الثورة، وليس بعد الفضائح الكثيرة.
والسبب فيما ذكّرني بالحكمة الجميلة التي ذكرها الامام الشيرازي الراحل، هو دخولي الى قسم الترحيل في مطار بيروت الدولي (رفيق الحريري) يوم ١٨ من اكتوبر عام ٢٠١٦، ولستتة عشر ساعة فقط.
والسبب انني ذهبت للهجرة من بيروت عام ٢٠٠١ ، وطبقاً للقانون اللبناني لايحق لمثلي الدخول الى لبنان مدى العمر!!
والان وبعد هذه الفترة الطويلة جئت الى بيروت في زيارة خاصة للاطمينان على صحة حبيب قلبي الشيخ يوسف عبد الساتر بعد ان خضع لعملية جراحية في الظهر، الا ان الدهر اوقعني في فخ قانوني غير لائق، فتذكرت الكلمة الغراء وفترة السجن و…
فطلبت من الضابط المسؤول عن الترحيل ان اجلس في صالة الترانزيت بدل غرفة الترحيل، مع ان المكانين سواء من جهة انه لايمكن لأحد ان يخرج من اية بوابة الا اذا استلم بطاقة الصعود الى الطائرة وبحوزته جواز سفر، الا ان جنابه فضل ابقائي وآخرون من جنسيات مختلفة في غرفة الترحيل والاحتفاظ بجوازي حتى يأتي الفرج في الساعة التاسعة صباحاً من يوم ١٩ من اكتوبر، عند قرب ساعة الاقلاع ١٠/٤٥ وبعد الحصول على بطاقة الصعود.
ثم وفي الساعة الخامسة صباحاً ذهبت الى غرفته لآخذ مقداراً من الماء للشرب قال (متفضلاً) تريد اتروح للصالة؟
قلت له حسب التعبير اللبناني: يفرجها الله.
فقام واخذني الى صالة الترانزيت القسم المجاور لغرفة الترحيل وقال: الان ماكو رحلات (!) بس لاتروح بعيد خليك قريب علي، لأنك لاتملك جواز سفر.
عندها استرجعت ذكرياتي وتأملت في هذا الكلام الجميل الذي بقي الان طرياً بعد مضي اكثر من ٣٠ عام على التأليف، وسيبقى الى الأبد. وهكذا يكون حال الحكمة، ولذلك تبقى هي ظالة المؤمن.
فغرفة الترحيل ليست بالصعبة كثيرا، و يوجد بالقرب منها المرافق العامة، ويمكن تحصيل المرطبات والساندويش (مع موافقة الضابط طبعاً) الا أنه سجن متواضع ايضاً.
فالسجن وان كان من ذهب، غير مقبول ويحطم شخصية الانسان بما هو انسان، علماً اننا لم نفعل مايستوجب ذلك، وكان بالامكان ترك المسافر في صالة الترانزيت، كما يحصل لأي مسافر عنده حجز بعد يوم مثلا، ولايريد الدخول الى البلد.
الاان الاجراءات التي لاتفهم الانسانية قررت وضعه في مكان يُستحقر فيه، بالاضافة الى مايلاقيه هناك من تصرفات.
محمد تقي الذاكري
١٩ اكتوبر ٢٠١٦