قصة الخربسانة !
المدرسة الشيرازية من المدارس التي توسعت بفضل أفكار الامام رحمه الله ونشاطاته والمؤسسات التي تم انشاؤها في حياته، فقد أسس رحمه الله في أغلب عواصم العالم حسينيات ومراكز للحفاظ على معتقدات الجالية الاسلامية على كثرة انشعاباتها، والدعوة الى الاسلام و…، وكلما كانت تتوسع الدائرة كانت تكثر المشاكل الناتجة عن هذا التوسع.
فالمدراء الجدد بحاجة الى ان يفهموا فكر الامام ومنهجه في ادارة ملف الدعوة الى الاسلام ومذهب اهل البيت عليهم السلام و…، وكانت تبرز مشكلة التنسيق بين هؤلاء، وكان الامام رحمه الله يدعو الى ثقافة التعايش في مختلف الاوساط الفكرية والاجتماعية، وفي كل اجتماع.
فالفرد الذي كبر وترعرع في كربلاء يختلف مع الذي كان في ايران او الهند والباكستان وافريقيا، بل وحتى النجف او … فكريا واجتماعيا وفي اسلوبه للاادارة ايضا، والعكس كذلك، وكان الامر بحاجة الى تنسيق بين حملة هذه الافكار والتصورات الناتجة عن ثقافات مختلفة.
وبالطبع كلهم مخلصون، الا ان الاخلاص وحده لايكفي، وللثقافة دورفي الحياة، شئنا ام أبينا، ولذلك كانت تبرز الخلافات، فكان رحمه الله يصرف الوقت الكثير لتربية هؤلاء وهداية الامور.
الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، حديث كان الامام يردده دائما وفي أكثر الاجتماعات الادارية، ولكل المدراء، لكن المشكلة ليست في النصوص، ولا في تقبلها عند الأفراد، انما هناك فروقات بين النظرية والتطبيق، فليس كل ما سمعناه وتعلمناه نتمكن من تطبيقه على أرض الواقع وبنفس النسبة.
فقد أكون أنا ممن يتقبل لكن الطرف الثاني ايضا يلزم ان يتمكن من فهم ما اريد، أو على أقل التقادير يحاول فهم ما اريد، وهنا تكمن المشكلة.
فكنت اتذكر و اذكرالاخوة قصة الخربسانة (على التعبير العراقي).
وهل تعرفونها؟
الخربسانة من صنف الحشرات الطائرة سوداء لونها ولاتسر الناظرين، والكل يخافها من دون ان يعرف عملها، وهل أنها مؤذية ام لا، أو على أقل تقدير الكل يحذر من التقرب اليها أو حتى قبولها وهي تتحرك الى جانبه.
وكان هناك شخص أصابه بعض الاشكالات العقلية، فكان يتصور ان الخربسانة تأكله، وكان يهرب منها كلما رآها، فكلمه الجميع وأخذوه الى مشفى الامراض العقلية، وبعد فترة من العلاج وصرف الالاف من المبالغ اقتنع ان الخربسانة حجمها اقل من 3 سنتيمتر، والانسان بحدود 2 متر، فكيف يمكن ان تأكله؟
وبعد فترة من خروجه من المشفى رأى الخربسانة وهرب ايضا، فسألوه: لماذاهربت؟
ألم تقتنع انها أصغر منك وانت …..؟
قال: بلى، انا مقتنع بذلك، لكن هل الخربسانه ايضا أفهمتموها أنها لاتتمكن من ان تأكلني؟
القران الكريم وحل المشكلة
في سورة الحجرات: يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…
أجمع المفسون على أنه يعني: ليعرف بعضكم بعضا… ولكن من المعرفة ايضا الاعتراف بهم وبخصوصياتهم، لونا وعرقا، سببا ونسبا و… والالوان ايضا لها روائح، و لذلك قالوا في الحج: لايجوز للحاج المحرم ان يأنف من رائحة شخص أو لونه، والأنفة من الكبرياء من دون شك.
حادثة طريفة
تزوج أحد الطلاب من لبنانية بعد أن كان متزوجا من باكستانية وله منها ستة اولاد، فزرته في منزله ورأيت الملابس المنشورة على الجهتين اليمنى واليسرى، وفي الفورعرفت ان غرفة العروس على اليمين، والباكستانية على الشمال، اذ أن الملابس التي كانت منشورة على اليمين ألوانها كانت فاتحة والمنشورة على الشمال كانت غامقة، كما هو المتعارف من استخدام هذخ الالوان في تلك البلدان.
وعندما سألته، قال: نعم اليوم كان يوم غسيل الملابس.
فالباكستانية لاتستعمل الالوان الفاتحة وعلى العكس تستعمل الوان غامقة وعطور قد لايتحمل رائحتها غيره، بينما اللبنانية منفتحة على الالوان والعطور و…
فلوعرفنا بعضنا بخصوصياته، لأرحنا انفسنا والمجتمع من نسبة كبيرة من المشاكل، ولكل فرد قابلية وثقافة، ولعل الله سبحانه أراد ذلك ايضا من ارسال الرسل، وأمرهم ان لايكلموا الناس الا بمقدار تحملهم وادراك عقولهم، وفي النصوص ايضا ما مظمونها: ما كلم رسول الله (ص) شخص الا بمقدارعقله وقدرة استيعابه.
وفي المروي عنه (ص) انه قال: انا معاشر الانبياء أمرنا ان ننزل منازلهم ونكلم الناس بقدر عقولهم…
نصوص طريفة
هناك نصوص تقول ان الامام أمير المؤمنين (ع) في الفترة التي انعزل عن المجتمع السياسي للحفاظ على كيان الامة وعدم الصراع العسكري مع السلطة الغاصبة للخلافة مثلا، وفي فترة حكومته ايضا، فكان يخاطب البئر و يناجيه، وكذلك الحال في جابر الانصاري انه كان حافظا لكذا الف حديث من أقوال الامامين الصادقين عليهم السلام، فكان يدخل رأسه في البئر ويقول حدثني محمد بن علي الباقر بكذا وكذا…
وكل ما سمعته من تفسير مثل هذه النصوص، هو ان الامام كان يروّح عن نفسه بتفريغ العلم، وكذلك الحال في جابرايضا، لكن ماسمعته من الامام رحمه الله، انه لعل الامام علي عليه السلام كان يودّع الاسرار والعلوم الربانية للاجيال القادمة فيما بعد، عن طريق البئر، وكان في معرض التدريس لجيل المستقبل، والامام أجل واعظم من ان لايتحمل العلوم الالهية ويلجأ الى البئر للتفريغ والترويح.
وهو القائل بما مظمونه: علمني رسول الله (ص) الف باب من العلم يفتح لي من كل باب منه ألف الف باب …
وهو القائل لكميل بن زياد النخعي وأومأ الى صدره: ان هاهنا علوما جمة (لعلما جمّا خ ل) لو وجدت لها حملة …
ولعل قائل يقول بوجود نصوص ترشد الانسان الى ان يفرغ مافيه من علوم وأسرار و… الى البئر..، لكنه هل يتمكن من الجزم، أوحتى الاحتمال، بان الامام عليه السلام ايضا كان مأمورا بذلك.
نعم ثبت في العلم الحديث، وفي النصوص الدينية من قبل، ان الاصوات (كغيرها) تبقى ويمكن استخدامها فيما بعد، وان لاشيء يفنى بمعنى الفناء الحقيقي، انما هو من مراحل الحياة، فكما ان المعادن تنضج خلال عقود من الزمن، فكذلك العلوم، فانها قد تصل الى العقول من خلال الارض ومنتوجاته. فتأمل.
ولعل اناس يأتون في المستقبل يستوعبون الكثير كما ورد في تفسير كلمة الصمد في سورة التوحيد (بمامظمونه) يأتي قوم في آخر الزمان يعرفون معنى ذلك.
وهذا قد يناسب كلام الامام الشيرازي الراحل رحمه الله في تفسيره.
وهل نجح الرسل في اقناع البشر بقبول بعضهم البعض الآخر ؟