ما أظلمكم و أقبح تصوراتكم(!)

تناقلت الصحف والمواقع الخبرية في مختلف دول العالم اعتقال اية الله السيد حسين الشيرازي من قِبَل المخابرات الايرانية، وكتب الكثير من الكتّاب مقالات متنوعة وباهداف متعددة.
فمنهم من استهدف النظام الايراني لهنات بينه وبين النظام، ومنهم من استهدف الشيرازية كذلك لهنات بينه وبينهم، أو انه كتب حسب الأوامر، ومنهم من كان على الحياد وجمع بين الاقوال، إلا أنه كتب من دون بذل الجهد في تحصيل الواقع، ومنهم من تسرّع في الكتابة معتمداً المعلومات الايرانية، وكانت النتيجة في جلها واحدة، وهي تحجيم الشيرازية بشكل أو آخر، الا القليل منهم، وضرب فكرة المواجهة التي ذهب السيد حسين الشيرازي اليها.
والذي استنتجه في نهاية المطاف هو التقسيم اللطيف من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:
الناس ثلاثة: عالمٌ رباني، ومتعلّمٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع، أتباعُ كلِّ ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
و هذا التقسيم، أضهر حقيقة الامتحان الالهي، في هذه القضية على الأقل. فان لله سبحانه وتعالى في شأنه درجات واعتبارات تظهر عند الامتحان، فمن نصر المظلوم قربة الى الله، ومن نصره لبيان قبح الظلم، ومن لم ينصره ولكنه استقبح الظلم، ومن تلبس بلباس الاستنكار، لكنه ظلم المظلوم بشكل أو آخر.
و الملفت للنظر هو اسلوب الاعلام الايراني المأجور الذي بذل جل جهده لضرب المدرسة الشيرازية من كل الجهات متفقاً مع الاستعمار البريطاني في الهدف والاسلوب.

وكان هو الحاكم في الساحة، وذلك للمبالغ الطائلة التي صرفتها ايران خلال فترة ٤٠ عام لتصنع هيمنة اعلامية عالمية تنصرها عند اللزوم.

وكان ملخص القول في الاعلام المأجور هو ان المدرسة الشيرازية، وإن قالت الحق في كلمتها المختصرة، إلا أنه يؤخذ عليها:
انها مدرسة طقوسية تعتمد التطبير.
انها مدرسة تستعمل اسلوب التفريق بين المسلمين.
انها مسؤولة عن الهجوم على السفارة الايرانية في لندن، لأن بعض المقلدين لهذه المدرسة فعلوا فعلاً كان ضمن قانون الحريات العامة في بريطانيا لكن استقبحه الحكومة الايرانية. ولاغير(!)
وهذا هو ملخص الكلام في الاعلام الايراني الهادف، والمضلل.
وكل هؤلاء الكتٌاب (إن قلنا ببراءتهم) تناسوا قبح الظلم ومظلومية الظالم في عالم يقول انه يعتمد الديمقراطية وحرية التعبير.
لنتأمل في المقولات الثلاث:
١- التطبير، اعتمد الشيعة في هذه الشعيرة المقدسة على فتاوى جلّ علماء الشيعة، و المخالفون في هذا الأمر (إن قلنا باجتهادهم أواستقلاليتهم)هم قلة لايجاوزون اصابع اليد على طول التاريخ الشيعي، وفتواهم بعدم الجواز لعدم استيعابهم لقدسية هذه الشعيرة المباركة، أو لمصلحة وقتية كما حصل من السيد الخميني أبان انتصار ثورته في ايران.
سنناقش شعيرة التطبير في مقال مستقل تحت عنوان( شعيرة التطبير، ما لها وما عليها) ولكن نقول لمن يُهرج ضد شعيرة التطبير بشكل مختصر:
المطبرون هم:
اولاً: انهم مسلطون على أنفسهم.
ثانياً: أنهم استفتوا مراجع تقليدهم وكانت النتيجة، إما الاستحباب والأجر، وهو الأغلب، وإما الاباحة فالجواز.
ثالثاً: انتم تدعون الفهم وتقولون بالديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وتستبيحون لأمرأة تقف على منصة رافعة حجابها مستنكرة اجبارها في دولة تستمد الاجبار من دستورها، وتقولون أنها حرة وعلى الدولة ان تحترم مشاعرها.
و كذلك الأمر في بلدان تحرم الخمور والملاهي، تطالبون بالحريات وفسح المجال للكل ان يشرب ويلعب ويفسق و…
وتستبيحون وجود مختلف التوجهات الفكرية في كل دول العالم، وإن قل المنتمين إليها، مطالبين احترام مشاعرهم.
وتجوزون للمثليين، مثلاً، اجتماعاتهم ومزاوجاتهم و….
وتجوزون لاتباع الديانات الاخرى كالمسيحية (كالطقوس في البرتغال) واليهودية( كالطقوس عند حائط المبكى) وعبدة الشيطان، والمهرجانات المستهجنة كضرب الطماطم وغيرها وتعتبرونها حرية، وتنكرون هذه الحرية على اكثر من عشرين مليون مؤمن (شيعي) استباح لنفسه تمليك جسمه لسويعات لاتتعدى اصابع اليد الواحدة في كل عام؟
ما أظلمكم و أقبح تصوراتكم(!)

العلمانية بكل تفسيراتها انتشرت في بلاد كان يعتمد القرآن أساساً في دستوره، والشيوعية المنكرة لوجود الله تجول في كل البلدان من دون مخالف، وحائط المبكى يبكي عنده حتى رؤساء دول العالم، وبتفاخر، وكله مباح، إلا للشيعي، تستنكرون تسلطه على نفسه لسويعات معدودة في السنة، ليضرب على رأس نفسه من دون ضرر على نفسه أو لغيره؟
٢- التفريق بين المسلمين، هل يجوز لنا المطالبه بدليل واحد منكم على هذا الادعاء الماصخ؟
كلنا يعلم ان المدرسة الشيرازية من المدارس المكشوفة في العالم خلال أكثر من ١٠٠ عام، وكل دروس علماؤها ومفكريها ومحاضراتهم و… منتشر من خلال فضائياتهم ومنابرهم و…
اين التفريق بين المسلمين؟
اذا كنتم تقصدون الحوارات العلمية والفكرية بين العلماء حول أحقية أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة فهذه ليست قضية جديدة في التاريخ الاسلامي، و كتب التاريخ شاهد على ذلك، وهذه من ميزات الفكر الحر حيث يسمح لنفسه ولغيره ان يناقش كل شيء ويظهر الحق المطعوم بالادلة والبراهين الكثيرة.

ولو امتنع الشيعة من الحوار الفكري لحكم المجتمع الغربي ومن في فلكه اليوم على الاسلام برمته بعد واقعة ١١ سبتامر وقال إن اسلامكم يدعو الى الارهاب والعنف والقتل والدمار و…
أتجوزون اتهام الاسلام ورسوله الكريم الذي وصفه الله بإمام الرحمة وجعله وذريته عَلَماً هادياً ودولته المباركة الغنية بالفكر و الحضارة و.. لتمرير أجندة مجموعة ارهابية تجول وتصول في بلد الاسلام وتقتل الأنفس البريئة باسم الاسلام لتشوه سمعة هذا الدين القيّم وهذا الرسول العظيم؟
ثم مالفرق بين القنوات الايرانية، كقناة الولاية التابعة للشيخ ناصر مكارم، المدعومة بالاموال الحكومية من ايران، وقنوات المدرسة الشيرازية، ولماذا باءكم هناك لا تجر، لاكنها تستعمل فعل الجر بالنسبة الى المدرسة الشيرازية الطاهرة والمبراة من عيوبكم والدول التي تنتمون إليها؟
واما اذا كنتم تقصدون تشبيه صاحب القضية لولاية الفقيه الذي تم تشويهه من كل الجهات، من قبل عناصر غير مثقفة بثقافة الاسلام في ايران، وتعتبرون هذا المقدار من الاعتراض هو تفريق بين المسلمين، فنعم، لأن اية الله السيد حسين الشيرازي كان قاصداً لمايقول.
لكنه وللانصاف أتساءل: هل الاعتراض لمسألة فقهية كهذه تفرق بين المسلمين، او التسويق لها باعتبارها أصل من أصول الدين مع مخالفتها مع جلّ فقهاء الشيعة؟

٣- موضوع الهجوم على السفارة الايرانية في لندن، وهيئة خدام المهدي، هؤلاء فتية آمنت بربها وكانت تمضي قدماً في معتقداتها، حالها كحال بقية الفئات المعتقدة بأفكارها، حتى بدأ سماحة القائد الصراع معهم بتصريحات مهولة واعتبرهم تشيّع بريطاني، في مقابل اتهام دول عربية لايران بأنها تشيّع صفوي.
أفيجوز لقائد ان يتهجم على مجموعة فتية نشطة لاتضر بأحد وفي دولة حرة تسمح لجميع المعتقدات النشاط، وهؤلاء حالهم كحال غيرهم، و تختطف بعض أفراد هذه المجموعة في لبنان، ولايجوز لهؤلاء ….
ثم لماذا تحسبون تصرفاتهم على مدرسة عُرف نهجها وأفكارها خلال ١٠٠ عام بالخلق الرفيع و السماحة واللاعنف والحضارة والفكر الواعي الأصيل ومتابعتهم لمدرسة رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة سلام الله عليها؟

فالنتأمل في خريجي الجامعات في العالم، كزعماء الدول، وخريجي الحوزات العلمية، كالنجف الاشرف، والدول كايران أو السعودية، وغيرهم، هل تقولون ان الحاكم …. والقائد والعالم … خريج مدرسة العلمانية أو غيرها وتحسبون جناياته على العلمانية مثلاً، لتمنعوا انتشار العلمانية في العالم؟
ثم وفي نهاية المطاف، انتم في مقالاتكم حول اعتقال اية الله السيد حسين الشيرازي تناقشون القضية وقبح الظلم والظالم و… أم تتهجمون على المدرسة الشيرازية؟
ثم هل التقى أحدكم مع رموز هذه المدرسة المباركة لستعلموا أفكارهم وتسمعوا كلامهم واستدلالهم؟

أنتم (المستنكرين على هذه المدرسة) شر مكاناً والله أعلم بما تصفون.
نعم، القلة القليلة منكم، بذل الوسع ليكون أقرب الى الواقع ويرفع الكليف الشرعي عن نفسه، وهو مأجور عند الله، أما الباقين فيأخذون اجورهم ممن عملوا لتبييض وجهه، وعند الامتحان يُكرم المرء، أو يُهان.
فالاعلام الايراني: همج رعاع، أتباعُ كلِّ ناعق، يميلون مع كل ريح..
ومن في فلك ايران :لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
محمد تقي الذاكري
Mtb@alzakery.com
٢٣ مارس ٢٠١٨

شارك مع: