وهل يخسر الاسلام اذا خسرنا؟
عبارات تتجدد بين آونة واخرى يتلفظ بها سياسييون من جنسيات مختلفة لاربط لهم بالاسلام في واقع الأمر، مفادها (طبعا بالفاظ مختلفة): ”إذا خسرنا هنا، فقدنا القدس، وفقدنا الإسلام، وخسرنا مكة“.
هذه العبارات ليست بالجديدة على الساحة الاسلامية منذ أن رحل رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت السلطات تتوالى في الصعود والنزول وكلها تحمل هذا النداء، وكلها آلت الى الزوال، وبقي الاسلام، وان أصبح بفعل السياسيين ضعيفا مشوها (!).
عندما رفع رسول الله صلى الله عليه وآله شعار الاسلام، جاء بالسماحة والعفو والرحمة الالهية، وكان كذلك في كل مراحل حكمه في المدينة المنورة، وحكم أمير المؤمنين عليه السلام.
وكان شعار الرحمة هو الأبرز في فتح مكة وغيرها، عندما نادى أحدهم: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله علي عليه السلام أن يأخذ الراية من ذلك الشخص وينادي بنداء الاسلام: اليوم يوم المرحمة اليوم تصان (تحمى) الحرمة.
ولكن عندما حكم آخرون، استولى على مقدرات المجتمع واستغل المناصب لينفذ مبتغاه، أو أجندته الحزبية أو …، وعندما فشل في اقناع المجتمع، أو انكشفت عوراته أخذ ينادي بالمقدسات ليلعب على وتر الدين والمعتقدات في سبيل ان يرجع الى المنصب، ومن ثم …. !
فتركيا مثلا، كانت علاقاتها مع اسرائيل جيدة، وكانت اسرائيل الدولة الغاصبة والظالمة و… ومن دون تغييرفي سياستها القمعية بالنسبة للفلسطينيين، وفجأة تغيرت الأحوال السياسية في الشرق الأوسط، وعندها أصبحت تركيا المدافع عن القدس الشريف وهكذا غيرها من الدول.
وكذلك الأمر بالنسبة للخلاف العربي الاسرائيلي، فعندما اختلفوا(حسب الظاهرطبعاً) سياسياً، أخذوا يجرون ذيل الاسلام وراءهم ليستغلوا الدين والمعتقد لمصالح سياسية وأجنداتهم الخاصة، واليوم عندما تداخلت المصالح، ترى أياديهم المأجورة تكتب في مسألة التطبيع في الميديا وتستذكر صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وآله مع اليهود.
و هكذا عندما ينادون بالاسلام، لم يأخذوا بعفوه ورحمته، بعطائه وخدماته، بحرياته الكثيرة في مختلف المجالات و… تجدهم يأخذون بالحدود الشرعية والقصاص والجلد و… وبذلك يشوهون سمعة الاسلام الحنيف.
الا أن الحقيقة الشرعية غير ذلك، فالاسلام لايسمح بتطبيق شريعة الجزاء قبل رفع معاناة المجتمع، فلايجوز ان تقطع يد السارق عنما لم يجد مايسد جوعه، ولا جلد الزاني وهو غير قادر على الزواج وهكذا.. فمع وجود المشاكل الاقتصادية والسياسية مثلاً، لايحق لأحد تطبيق شريعة الجزاء.
انظروا الى عطاءات رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت المال، وتسامحه حتى مع المنافقين والكفار(غير حاملي السلاح في وجه المجتمع الاسلامي).
انظروا الى سجون علي بن أبي طالب عليه السلام في حكومته.
تمعنوا في اسلوب الحاكم الاسلامي في تعاطيه مع المخالف السياسي.
هل تجدون شخص واحد لم يتمكن من الزواج آنذاك؟
هل تجدون من لايمتلك السكن ورغد العيش؟
هل تجدون سجين سياسي واحد في ضل حكم الاسلام؟
نعم، عندما تستملك الحكومات مقاليد العباد قبل البلاد، ولم تشارك الناس في الاستفادة من خيرات البلاد، وتبنى القصورمن سرقات بيت المال (مما تسمى الهدايا والاعتبارات) مثلاً، فعند ذلك يسقط المسؤول في الانتخابات (هذا اذا كانت الاتخابات نزيهة طبعا) لامحالة، وعند ذلك تجد جناب السياسي ينادي: ”إذا خسرنا هنا، فقدنا القدس، وفقدنا الإسلام، وخسرنا مكة“(كما ورد في الاعلام عن مرشح من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عنما نال هو وحزبه هزيمة قاسية عبر صناديق الاقتراع).
محمد تقي الذاكري
1/4/2019