وانفسد الملح
العلماء امناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا، نص شريف من مقام النبوة والامامة عليهم افضل الصلوات والتحيات، ويقرأه جميع العلماء، الا انهم مختلفين في معناه.
منهم من يفسر الدنيا بالمال، ومنهم بالجاه (اي الوجاهة) ومنهم بالسلطة السياسية، و… والجمع احوط كما يقول معظم الفقهاء.
لكن ومن الطبيعي، وبما ان العلماء ايضا بشر، ولايختلفون في الخصوصيات مع ساير الناس، وفي الفترة الاخيرة اكثرهم من صميم المجتمع في مثل العراق، لانهم جائوا الى الدراسة في كبر سنهم، لا في عنفوان الشباب، كما كان المتوقع، فمن الطبيعي لهم مالجميع الناس وعليهم ماعليهم.
فيحتاج رجل الدين الى النقل والسكن، والسيارات بانواعها والزوجة والاولاد لهم رأي في انتخابها، والرخيصة لها مشاكلها ولاينبغي لرجل الدين ان يتاخر عن مواعيده، والناس لايحترمون الفقير صاحب السيارة المطعطعة (حسب التعبير العراقي) اي المشرفة على الانهيار والوفاة !، وما الى ذلك من حجج قد تكون واقعية وقد تكون منسوجة الخيال، فكل هذه الامور تاخذ برجل الدين الى الدنيا بشكل من الاشكال.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى الاعلام الغربي الذي دخل الى منازلنا ومن دون وعي منا، اصبح التشكيك وطرح الشبهات، والانفلات في نظام الحوزات الناتج عن مختلف الامور، ومنها تدخل الحكومات في الحوزات لمصالح سياسية واخرى امنية، والعشرات من الادلة الاخرى ساهمت في تضعيف رجل الدين في المجتمع.
ولا اخفي هموم المرجعية الدينية مما حصل في نظام الحوزة وتدخل الحكومات، وتراجع المعنويات في الحوزات الذي ادى الى تضعيف موقع العلم والعلماء في المجتمع الشيعي بالذات، وانخراط بعض من ليس له القوة العلمية للدخول الى الفضائيات و… والركون الى الدنيا والتعامل مع السلطان (العمالة) بحجج مختلفة.
وكل ذلك ادخل النسيان في مخيل الطالب حيث لاتركيز لفهم النص الشريف الذي ذكرناه، و تفسيره بما يخالف النص ومحتواه ومؤداه، وكانت النتيجة اللجوء الى نص اخر عن معصوم، وهو: ليس الزهد ان لاتملك شيئا، انما الزهد ان لايملكك شيء.
ولا شك في صحة النص الاخير الا انه اوجد الشيطان في مخيلنا انه يجوزلك كل شيء مالم يملكك.
وبما ان الشيطان يدخل ابن ادم من مداخل شتى ويفسرله ما يريد وكيف يريد ولماذا و… فاخذنا واعتقدنا اننا اصحاب قدرة نفسية تمنعنا من الانصياع الى الشيطان، ولايمكن للشيء ان يملكنا، فعليه اخذنا الخوض في الوجاهات من باب الفضائيات، والجواب على مختلف انواع الاسئلة من دون ادراك، واعتقد الواحد منا انه اعلم العلماء ومن ينكرعلمنا فالياتي ويحاورنا، ومن يقول انا لست بفاضل، ومن هو القائل ان فلان اعلم او اتقى مني و…..
واختم كلامي بقصة استشهد بها لاقول: وانفسد الملح.
القصة هي: جاء شخص الى احد علماء العرفان ممن فتح الله قلبه بنور الايمان، ليتتلمذ على يديه طمعا لذكر او نفس روحاني او درجة من المعنويات، وبعد فترة من التتلمذ اخذ يصر على الاستاذ ان يعلمه الاسم الاعظم.
ومع تهرب الاستاذ من جهة واصرار الطالب من جهة اخرى، قرر الاستاذ تفهيم هذا الطالب المجد في طلبه لا في دروسه وتقواه بما هو واقعه لاما يتخيله، وذات يوم وضع الاستاذ فارة في قارورة واعطاه للطالب ان خذ هذه القارورة واعطها فلان من العلماء في المنطقة الكذائية وارجع بماقاله العالم.
فاخذ الطالب القارورة من دون علم بمحتواها، وعند سماع الحركة المشبوهة من داخل القارورة فكر في نفسه وقرر ان يفتحها ليرى مافيها ومن ثم يعطيها لصاحبها. و لايعلم بهذا العمل الا الله طبعا !!.
وانفتحت القارورة وهربة الفأرة وانزعج الطالب معتبرا ان الاستاذ ضحك عليه ورجع الى الاستاذ معترضا: انت تضحك علي وتجعل فأرة في قارورة وتبعثها الى …..؟
وكان جواب الاستاذ: انت لاتؤتمن حتى على فارة، فكيف تطالبني بالاسم الاعظم؟
واليوم، وكلنا تناسينا( مالم يدخلوا في الدنيا) ودخلناها من جميع ابوابها الواسعة متأكدين اننا غير داخلين فيها ومن يدخل فيها فهو …..
وكان الامام الشيرازي رحمه الله يقول: اخطر مافي الامة ان تعتقد انها اجتازة مرحلة الجهل و وصلت الى المراتب العليا، بينما هي على حالتها الاولى ومن دون تغيير.