ماذا يعني زواج التونسيات بأجنبي؟
محمد تقي الذاكري
نقلت وكالة أنباء رويترز عن “مسؤول حكومي كبير” قوله إن وزارة العدل ألغت المنشور الذي كان يقضي بعدم السماح للتونسيات بالزواج من غير المسلمين “مما يعني الحرية التامة للمرأة التونسية في اختيار قرينها”.
أصل الخبر جاء في تدوينة على صفحة الفيسبوك المنسوبة لسعيدة قراش، الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، هذا نص الخبر: “تم الغاء كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي يعني بعبارة أوضح منشور ۱۹۷۳ و ما جاوره. مبروك لنساء تونس في تكريس حق حرية اختيار القرين”.
الغريب ان هذا النص الذي يحتمل معنى آخر، وهو ان المرأة التونسية يجوز لها الزواج من غير تونسي الجنسية، وهذا مطابق للقوانين الموجودة في جميع الدول الاسلامية والعربية (مع الأسف) وهو مخالف للكتاب والسنة، فالافغاني والهندي و… هو اجنبي، أخذ تفسيرا آخرا مخالفا للدستور التونسي والقران الكريم وجميع النصوص الدينية.
لكن فقدان الهوية عند البعض وضعف الشخصية العلمانية (!!) ادت الى تفسير الخبر بشكل آخر، بمعنى أنهم فسروا القانون بما لا يتحمل.
الموضوع اساسا له أبعاد قرآني وفقهي ايده القانون، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/۵۱ .
وقوله تعالى : ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) المائدة/۸۰ ، ۸۱ .
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم، وهو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) الممتحنة/۱۳ .
وبيَّن في موضع آخر قوله تعالى : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/۲۸ .
والقوانين في جميع الدول تمنع ان يكون ابن البلد، مثلا التونسي، ان يتأمر بواسطة شخص من جنسية اخرى، ومما يؤيده هو موضوع التخابر مع دول اجنبية (كما جاء وياتي في جميع الموارد التي يتهم فيها اشخاص كاخوان المسلمين في مصر الآن، وغيرهم في غيرها) فهل يجوز للتونسي ان يتخابر مع دولة اجنبية معادية، حسب قانون تونس؟
ثم ان تضع المرأة اختيار أمرها بيد غير مسلم، كما هو المتعارف بين الزوجات وازواجهن، أكثر جرما من التخابر.
فلماذا لايجوز التخابر مع دولة اجنبية ويجوز التأمر واستعلاء رجل غير مسلم (اي الأجنبي) على مسلمة؟
أما فقهيا، فيقول جميع فقهاء العامة والخاصة بما مظمونه: ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم.
قالوا: ومن صور مولاة الكفار المحرمة : اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً ، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم .
وقالوا: وأما مخالطة الكفار، فليست العلة في منع المخالطة بل هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط ، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم : عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين ، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) الممتحنة/۱ .
فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه ؟!
ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم ؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار ، وإقامتهم في بلدانهم . فبعضهم تَهَوَّدَ ، وبعضهم تَنَصَّر ، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة .
ولو تأملنا في عموم النساء، سنجد أنهم يميلون الى رأي الزوج والتنسيق معه واطاعته في مختلف الأمور، فهل يقبل القانون التونسي ذلك للمواطن التونسي (ارتباطه واطاعته للأجنبي غير التونسي)؟
والغريب ان الخبر أثار جدلا واسعا في تونس إثر دعوة السبسي في خطاب تزامن مع العيد الوطني للمرأة التونسية في ۱۳ آب/أغسطس للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة إلى جانب السماح للتونسيات المسلمات بالزواج بغير المسلمين.
و الغريب في الأمر أن دار الإفتاء في تونس أيد توجه السبسي (هذا التفسير) في حين أثارت دعوته حفيظة مؤسسات دينية أخرى على رأسها الأزهر. واعتبر عباس شومان وكيل الأزهر أن امثال هذه الدعوة “تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية”.
والصحيح ان القانون الجديد أجاز للمرأة التونسية الزواج من غير تونسي، وأنها لاتحتاج الى موافقة مسبقة من الدوائر المعنية، كوزارة الخارجية مثلا.
وهذا يعني ان القانون التونسي وافق الكتاب والسنة في جوازه زواج المرأة التونسية من غير التونسي.
وهذه خطوة مشكورة البتة.
(*) باحث اسلامي، دكتوراه في علم النفس الاسلامي، مقيم في واشنطن العاصمة