رسول الله يعفو عن الجاسوس (!)
أجمع المؤرخون عند نقلهم قصة حاطب بن أبي بلتعة قبيل فتح مكة حيث أنه اتفق مع مغنية ( أو مزينة) جائت من مكة الى المدينة للتجسس على أهلها لتخبر قريش بتفاصيل جيش الاسلام والعدة والعدد، فاخبر جبرائيل رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآله) .
وفي التفاصيل: دعا رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله) عليًّا والزبيرَ والمقداد، وغيرهم، فقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فائتَوني بهِ، فعثروا عليها وطلبوا منها الكَتابَ، وأَخْبَروها أنَّهُمغيرُ مُنْصَرِفَيْنِ حتى يَنْزِعَوا كلَّ ثَوْبٍ عليْها.
قالتْ: ألسْتُما مُسْلِمَيْنِ؟
فقال لها علي (عليه السلام) : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.فحَلَّتْهُ من رأسِهِا، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها أن المسلمون أخذوا معهم امرأة لتفتيشها، ففتشتها وأخرجت الكتاب من ملفوف شعر رأسها.
قال: فدعا رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله) حاطِبًا حتى قُرِئَ عليهِ الكتابَ، فاعترفَ، فقال: ما حملكَ؟
قال: كان بمكةَ قَرَابَتِي، وولدِي، وكُنْتُ غريبًا فيكُمْ معشرَ قريشٍ…
وقد أجمع أهل الخبرة على أن هذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم و معروفة عند علماء التفسير، وعلماء الحديث، وعلماء المغازي، والسير والتواريخ، وعلماء الفقه، وغيرهم.
الا أن المؤرخون اختلفوا في قصد حاطب.
فمنهم من قال: لم يكن يقصد خيانة المسلمين، وإنما كان يخشى على أهله الذين كانوا يعيشون في مكة، كما أنّه لم يكن له قرابة في المدينة يحمونهم كغيره من المسلمين المهاجرين، فأراد أن يقدم للمشركين خدمةً ليضمنوا له حماية أهله.. وقال بعضهم: كانت بينه وبين أهل مكة معاهدة …
ومنهم من قال: الجاسوس يدافع عن عمله بحجج يختلقها سعيا منه الهروب من الواقع، وكان تبرير حاطب هو ضمان سلامة أقربائه و…
واستدلوا على ان حاطب كتب في كتابهتفاصيل الجيش، و اخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وآلهوالمسلمون من الأمر في السير إليهم. وعن بعض المؤرخين قول رسول الله صلى الله عليه وآله عما في الكتاب انه: يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم .
وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب أن رسول الله قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده، لنصره الله عليكم، فإنه منجز له ما وعده.
وفي تفسير ابن سلام: أن حاطباً كتب: إن محمداً قد نفر، فإما إليكم وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر.
وعلى اية حال، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد عفى عنه.
هنا، لابد من بعض الكلام:
1- لاشك ان هذا العمل يعدّ تجسّسًا لصالح المشركين، ونشرَ أخبارٍ عسكرية تضرّ بالمسلمين، فضلًا عمّا فيه من خصوصية إفشاء سرِّ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله.
2 – و فيه موالاةً للمشركين.
3 – وهذا موقف من رجل مسلم أفشى سرًّا عسكريًّا خطيرًا للدولة الإسلامية، كان من الممكن أن يكون له أشدُّ الأثر على أمنها واستقرارها!
4 – وموقف لامرأة ليست من المسلمين جائت للتجسس من قبل العدو، والقي القبض عليها و معها تفاصيل ضد المسلمين ومفيد للعدو.
5 – وقد دفع المسلم المتواطئ أموالا لها لتنفيذ مهمة سياسية وعسكرية كهذه، مع الاقرار منه على انه كان معاهدا مع العدو و أراد ضمان مستقبل أقرباءه..
أنا لا أتكلم هنا عن الأحكام اللتي تترتب على مثل هذه القضية، انما كلامي عن أسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله في التعامل مع المنافق، الجاسوس، ربما الكافر، المتواطؤ مع الأعداءو ….
فاسلوب الرسول صلى الله عليه وآله مع مثل هذا الانسان، صنع منه شخصا آخر، حيث حمل رسالة الاسلام الى مقوقس حاكم مصر (كما عن المرجع السيد صادق الشيرازي) وكانت له مواقف مشرفة في خدمة الاسلام.
واليوم، ونحن نعيش حكومات ترفع راية الاسلام، لكنها تقتل بمجرد احتمال لانقلاب أو تواطوء مع أشخاص تقول الحكومة انهم أعداء (كما حصل في تركيا الفترة الأخيرة).
فأين نحن والحكوم الاسلامي، وأين التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله؟
محمد تقي الذاكري
21 رجب المرجب 1441 من الهجرة