المطبات الهوائية وضبط النفس
في رحلتي الاخيرة بين الكويت و واشنطن العاصمة الامريكية استوقفتني المضيفة في تكرار كلامها لربط الحزام، حيث الارياح كانت مرتفعة، او المطبات الهوائية كثيرة، وصوتها بالنسبة لي كان مزعجا لانني كنت نائما، فكانت تستعين بالمكبرة احيانا وتأتي الي احيانا وتناديني وتطلب ربط الحزام.
والذي لفت نظري ان الله سبحانه وتعالى خلق العالم ضمن ضوابط، فكما ان الرياح والمطبات الهوائية يستوجب للانسان ان يتجنب الخطر ويستعين بالحزام للامن والسلامة، فكذلك الحياة.
بمعنى ان الانسان يغفل كثيرا، ولايحب ان يستيقظ من غفلته احيانا، والشهوات او المغريات الدنيوية تاخذه الى مالانهاية له ، لكن يحتاج الى من ينبه، ويؤنب احيانا، فالانبياء ارسلهم الله للتعليم والتزكية (ليعلمهم ويزكيهم) بل واكثر من ذلك (ليضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) لكن الانسان بما انه (ظلوم جهول) لايستمع الى النصايح احيانا، ويستغفله الشيطان بحجج مختلفة.
ففي تفسير سورة الناس، الخناس يهمس في اذن الانسان وينسيه التوبة، واحيانا يدعو الى تأجيله لوقت اخر.
لكن هناك وازع نفسي جعله الله في داخل النفس، وذلك من لطفه ان جعل نفس الانسان قابل للبرمجة (فالهمها فجورها وتقواها) واعطاها القابلية للتشخيص، فمن فعل –بالتشديد- هذه القوة يتمكن من استلام الرسائل المنبهة لتذكره بعد كل خطيئة ارتكبها، يسميه علماء النفس بالنفس اللوامة، تلوم الانسان وتؤنبه بان فعلك هذا كان باطلا فهل من مدكر؟
فالتزكية التي جعلها الله في الانسان نسبية في قدرتها لضبط المعاصي، فمن استقى علومه من مدرسة اهل البيت عليهم السلام وتزكى ولو بمقدار، تمكن من ضبط النفس بنفس المقدار، والعكس ايضا صحيح، لذلك في نصوص دينية كثيرة في مدرسة اهل البيت عليهم السلام تجد عوامل وادوات للتربية والتزكية، لاتجدها في المدارس الاخرى.
الحسن البصري مثالا
لقد اجمع العامة -تقريبا- على مدح الحسن البصري واعتبروه زاهدا ومربيا و…. وعلى الاغلب لعداوته لاهل البيت اعتمدوا عليه، لانهم لايفهمون معنى التربية والزهد الحقيقي، فالخوارج ايضا كانوا زاهدين في الدنيا لكن بما انهم لايفهمون معنى الزهد والتزكية الحقيقية، اخذوا بظاهر القول، فقتلوا ابرياء وسفكوا دماء حتى الجنين اخرجوه من بطن امه، لانها توالي عليا، فالجنين ايضا سيكوم مواليا فيلزم قتله من الان وقبل ان يولد.
فالحسن البصري، رآه الامام من بعيد، رآه واقفا الى جانب الخباز، يسرق منه الخبز ويعطيه للفقراء، فقال له الامام: انت الحسن البصري؟
قال: بلى.
قال الامام: رأيتك تسرق الخبز وتعطيه الفقراء؟
قال علي وزر واحد، ولي تسعة من الاجر!!!!
فقال الامام: كل الاجر للخباز وعليك وزر السرقة (فيجب ان يقطوا يديي السارق).
فمدرسة اهل البيت تنظر الى جذور المشاكل والحلول لا الى مظاهرها.
فمن اراد الحياة والجنة معا عليه ان يتخذ من هذه المطبات (المعاصي من دون توجه) طريقا الى التوبة والاستغفار هو اداة وسبب لقبول التوبة، والقران الكريم يشير الى ذلك في مواطن كثرة ويؤكد عندها (ان الله يغفر الذنوب جميعا). ومن الله التوفيق