العقول رهن التجارب
قال علي عليه السلام: العاقل من وعظته التجارب
وقال عليه السلام: كفى بالتجارب مؤدبا.
وقال عليه السلام: التدبير قبل الفعل يؤمن العثار.
وقال عليه السلام: بركة العمر في حسن العمل.
وقال عليه السلام: لا تسترشد إلى الحزم بغير دليل العقل فتخطئ منهاج الرأي، فإنّ أفضل العقل معرفة الحق بنفسه، وأفضل العلم وقوف الرجل عند علمه، وأفضل المروّة استبقاء الرجل ماء وجهه، وأفضل المال ما وقي به العرض، وقُضِيَت به الحقوق.
النصوص في مثلها كثيرة اقتصرنا على خمسة منها، والهدف من هذا المقال هو ان العقل لايستكمل الا باستكمال الجانب العملي فيه، وهذا ماسمي بالتجربة. وقد ذكرنا في مقالات سابقة عن المستشار، مايرتبط بعقله ودرايته، وعدم الانفعالية او العقد الذاتية في وجوده.
فلو كان المستشار ذا تجربة عملية ورأينا منه نتائج أعماله ودققنا فيها وعلمنا ان النجاحات كانت نتيجة استشاراته، يجوز لنا، بل ويجب علينا ان نتبعه ونستشيره.
لكن اذا وجدناه بطل في الكلام وتسطير العبارات البراقة من دون ان نجد في تاريخه اشراقات عملية، فلايجوز، بل وقد يحرم التشاور معه.
لأن (زوال العقل بين دواعي الشهوة والغضب) كما عن علي عليه السلام، فمثل هذا الشخص قد خلط بين العقل وشهواته أو مصالحه الشخصية.
فعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: العقل والشهوة ضدّان ومؤيّد العقل العلم ومزيّن الشهوة الهوى والنفس متنازعة بينهما فأيّهما قهر كانت في جانبه.
وقال (عليه السلام) : إنّ أفضل الناس عند الله من أحيا عقله وأمات شهوته.
وقال (عليه السلام) : ذهاب العقل بين الهوى والشهوة.
وقال (عليه السلام) : من كمل عقله استهان بالشهوات.
وقال (عليه السلام) : من لم يملك شهوته لم يملك عقله.
وقال (عليه السلام) : لا عقل مع شهوة.
وقال (عليه السلام) : من ملك نفسه علا أمره، من ملكته نفسه ذلّ قدره.
وقال (عليه السلام) : من غلب شهوته ظهر عقله.
وقال (عليه السلام) : من غلب عقله هواه أفلح، من غلب هواه عقله افتضح.
وقال (عليه السلام) : من غلب شهوته صان قدره.
والشهوة ليست الغريزة الجنسية فحسب، فقد يكون سكرة المال والجاه، أو لهناة بينه وبين آخرون.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّه قال: ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال، وسكر القدرة، وسكر العلم، وسكر المدح، وسكر الشباب، فإنّ لكلّ ذلك رياحاً خبيثةً، تسلب العقل وتستخفّ الوقار.
ولعله الى هذا أشارصادق آل محمد الامام جعفر بن محمّد (عليه السلام) عندما قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أصل الإنسان لُبّه وعقله دينه، ومروّته حيث يجعل نفسه، والأيام دول….
فاللب والعقل مايعبد به الرحمان واكتسب به الجنان، والمروة تجربة عملية ونتائج مرجوة في المجتمع، وحكم الناس عن تصرفات، فان الحياة كلها تتداول، ولعل النتائج التي نشاهدها ناتجة عن تدويل القضايا والحوادث، وليست ناتجة عن تجربة المستشار.
واليه أشارعلي صلوات الله عليه في قوله: لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تجد كرمه، ولكن انتفع بعقله، واحترس من سيّئ أخلاقه، ولا تدعنّ صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله، ولكن إنتفع بكرمه بعقلك، والفرر الفرار كلّه من اللئيم الأحمق.
فالأحمق من لم تنسجم أقواله افعاله، فاذا كان لئيما يجب الفرار منه قولا وفعلا، لا أن تستشيره وتترك اشتشارته، فان الاستشارة معه تؤدي الى الانحراف الذهني لديك مما تتصور صحت كلامه لجذابية بيانه، وجمال بيانه.
هذا بالاضافة الى مقدار تعلمه وكسبه المعارف والثقافة الدينية من علوم آل محمد عليهم السلام، فعن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: إنّي نظرت في كتاب لعليّ صلوات الله عليه، فوجدت في الكتاب: إنّ قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته، إنّ الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا.
فلو كان من الذين سمع بعض الشيء من النصوص الدينية وجالس بعض العلماء من دون انسجام فكري وقصد في التعلم، فانه يكون التقاطي تعلم بعض الشيء وفات عنه الكثير من العلوم والتجارب.
قال أبو جعفر (عليه السلام) : يا بني اعرف منازل شيعة عليّ صلوات الله عليه على قدر روايتهم ومعرفتهم، إلى أن قال: يا بني إنّي نظرت في كتاب لعليّ صلوات الله عليه، فوجدت فيه:
إنّ زنة كلّ امرئ وقدره معرفته، إنّ الله عزّ وجلّ يحاسب العباد على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا.
فإذا علمتم من رجل حُسن حال فانظروا في حُسن عقله، فإنّما يجزى الرجل بعقله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله.
اذ أن العقول أئمة الأفكار، والأفكار أئمة القلوب، والقلوب أئمة الحواس، والحواس أئمّة الأعضاء، كما قال علي عليه السلام.
ونختم كلامنا بذكر بعض النصوص المروية عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يفي بالغرض:
قال: لا عدّة أنفع من العقل، ولا عدوّ أضرّ من الجهل،
وقال: زينة الرجل عقله.
وقال: من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله،
وقال: العقول ذخائر والأعمال كنوز.
وقال: من ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله.
وقال: الجمال في اللسان، والكمال في العقل.
وعنه صلوات الله عليه: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سُئل ممّا خلق الله عزّ وجلّ العقل؟ قال: خلقه ملك له رؤوس بعدد الخلائق، من خلق ومن يخلق إلى يوم القيامة، ولكلّ رأس وجه، ولكلّ آدمي رأس من رؤوس العقل، واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب، وعلى كلّ وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتّى يولد هذا المولد ويبلغ حدّ الرجال أو حدّ النساء، فإذا بلغ كشف ذلك الستر، فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة والسنّة، والجيّد والردي، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت.
10 شوال 1438