الشيرازية، طقوس أم أفكار؟
قرأت العشرات من المقالات التي تهجمت على المدرسة الشيرازية، وعلى الخصوص المرجع السيد صادق الشيرازي، والتهم التي وجهت اليها، وتابعتُ خيوط المؤلفين وأفكارهم، رأيتها كلها (وأناجازم) هادفة الى تحجيم التنوير في الفقه الشيعي، ولايريدون تبيين دولتي رسول الله والامام علي (عليه السلام) وبما ان هذه المرجعية المتنورة، تبذل جل جهدها لتبيين تلك المعالم الحظارية وتهدف الى الدفاع المستميت عنهما (صلوات الله عليهما وآلهما) ومدرستهما السياسية، وتبيين ذلك يضر بدولة اقليمية معينة، فلذلك يتم التهجم عليها.
وعلى اية حال، التهم الموجهة الى هذه المدرسة هي:
انها سطحية
انها مجموعة طقوس
انها تبحث عن مرجعية عليا
انها مخالفة لولاية الفقيه
انهم متطرفين ودواعش الشيعة (!)
أما السطحية، فالمتتبع لهذه المدرسة العلمية يجد العشرات من الكتب العلمية للمرحوم السيد الامام، والسيد المرجع، والدروس الفقهية العميقة، لكن الأعمى لايمكن ان يشاهد الحقائق، فيكتفي بأقوال من يدفع المال لهذا العمل.
أضف الى ذلك، لوكانت هذه المدرسة سطحية لما كانت تنشر افكارها من خلال الكتب، والمواقع والسي ديهات و… وتبث محاظراتها العلمية عبر القنوات الفضائية علانية، كانت تكتفي بالدرس حتى لاتنفضح، بزعمكم.
أما الطقوس، فان هذه المدرسة ترى في إجلال واحترام وإقامة مجالس العترة الطاهرة عليهم صلوات الله، تكليف شرعي، و ترى ان هذا الأمر من التكاليف الشرعية التي يجب على المرجعية الشيعية الإهتمام بها، لأنها الاساس في حفظ الاسلام، فكما ان الاسلام محمدي الوجود، فهو أيضاً حسيني البقاء، نعم لايجوز استغلالها لمصالح سياسية، أو حزبية، وحتى فئوية.
أما المرجعية العليا، فهي ليست حكراً على أحد أو مكان دون آخر، أولاً، ثم التكليف الشرعي يوجب على العالم أن يُظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله و… وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
والاعلمية تظهر من خلال التدقيق في المؤلفات و التحدي العلمي، و لاغير.
وأتذكر انني طرحت موضوع التحدي العلمي مع كبار علماء طهران (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) بعد وفاة السيد الخوئي وطلبت منهم ان يخلعوا غلاف كتابي (الفقه، البيع) و(الاصول) للسيد الامام رحمه الله، ويقارنوا مع كتب الآخرين في نفس الموضوع، ثم تُعطى الكتب (منزوعة الجلد، مجهولة المؤلف) لعلماء من أهل الخبرة و أصحاب الجرح والتعديل، مثلاً، ليحكموا بأعلمية مؤلفها .
أما ولاية الفقيه، فالمدرسة الشيرازية كانت أول من طرح الفكرة وناقشها في ستينيات القرن الماضي، حيث بدأ المرحوم الشهيد اية الله السيد حسن الشيرازي في كتابه كلمة الاسلام بشرح تفصيلي غير ممل، والسيد الامام أيضاً من خلال تخصيص مجلدات في موسوعته الفقهية الكبرى للموضوع، الا انه يرى ان الولاية لشورى الفقهاء، ولايحق لفقيه واحد الاستبداد في الحكم ، أو تحميل فتواه على مقلدي غيره والتفصيل في محله.
أما التطرف والقياس مع داعش، فهذا تهريج واضح، لمن يمتلك الحد الأدنى من الدين والورع.
فداعش قتلت النفوس البريئة وهتكت الاعراض، وصادرت الاموال، وكفرت المسلمين و… فمن الجيد ان يعطونا نموذج واحد من خطابات أو دروس أو تأليفات السيدين المرجعين الجليلين ، الامام الراحل والسيد المرجع، يدعو الى تكفير، أو مصادرة اموال، أو قتل، أو تشريد، أو هتك أعراض…
التقييم من خلال الأتباع
وقد أجمع الكتّاب في مقالاتهم التي تُطبع في صحف او مواقع مأجورة ومدعومة من دولة اقليمية معروفة، ان مصادر استنتاجاتهم هي: ممارسات اتباع هذه المدرسة(!)
حتى انهم طبعوا مئات الالاف من اقراص السي دي ضد هذه المرجعية و تم توزيعها في مراكز العبادة في دولة اقليمية معروفة، وبالطبع المستندات هي: قنوات، حسينيات، ممارسات و… من أتباع هذه المدرسة.
ثم تابعتُ الذين كرسوا وجودهم لضرب هذه المرجعية المتنورة، كأشخاص، فرأيتهم إما منتسبين الى أحزاب اسلامية، أو دولة اقليمية، وقليل منهم يحملون الفكر العلماني، وهؤلاء بالذات رأيتهم يكررون ماتنشره الدولة الاقليمية من دون ان يبذلوا الجهد ليقرأوا كتب هذه المدرسة أويلتقوا برموزها ويناقشوها حتى يصلوا الى أدلة كافية، رغم دعواهم بانهم ابناء الدليل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر تابعت مختلف المدارس الفكرية، والجامعات في مختلف دول العالم و.. التي كان لها الثقل في الاوساط العلمية، سواء في الوسط العلماني، أو العلمائي والحوزوي، رأيت الكيل بمكيالين بما للكلمة من معنى.
فعندما نتأمل في الجامعات مثلاً، نجد ان المتخرجين منها على أشكال وأهواء مختلفة، و يفتخرون بمدرستهم العلمية، والمدرسة لم تنكر حضورهم فيها، ولم يتهم أحد هذه الجامعات من خلال تصرفات الأتباع والمنتمين اليها.
مثلاً، الذين وصلوا الى الحكم في دول الشرق الأوسط، جلهم درسوا في الجامعات الغربية، فهل رأيت المسؤول الفلاني الذي قتل النفوس المحترمة أو سرق المليارات من أموال الناس، أو تفوه بأفكار منحرفة أو… يتهمه المجتمع ويقول خريج جامعة هارفاردأو بغداد أو طهران أو القاهرة، مثلاً؟
حتى العلمانية، هل رأيت أحداً قال عن صدام حسين أو انور السادات، أو …انه درس في جامعة …، وأن هذه الجامعة تخرج كذا وكذا؟
حتى الحوزوية، فحفيد السيد ابو الحسن الاصفهاني، والسيد عباس نجل السيد الخوئي، والشيخ علي الطهراني وآخرون موجودون في النجف الأشرف وقم المقدسة، فبعضهم كتب كتاب ضد التشيّع، أو طرح أفكاراً منحرفة تسببت بالتفرقة والانحراف العقائدي في الوسط الشيعي، و البعض الآخر سباب لبيوتات مرجعية واتهامات في الانساب و…، ولم اجد فرداً واحداً يعترض على المدرسة أو الاسرة.
وهكذا الأمر في مختلف المجالات كالطب والهندسة والسياسة والتاريخ و….فلماذا الشيرازية وحدها هي المتهمة من خلال تصرفات اتباعها؟
خذ مثالاً آخر، عندما تهجم أحد في فضائية على السيد موسى الصدر، بدأ الهجوم في لبنان على المدرسة الشيرازية و… وقامت القيامة ولم تقعد، مع ان العلاقة بين حركة أمل والشيرازيين كانت جيدة بشكل عام طوال أكثر من ثلاثين سنة و كان بينهم تعاون ثقافي واقامة المجالس و…. ومن دون اية مشاكل.
حتى أنهم ألغوا (حسب المسموع) جميع الدعوات مع الخطباء (من خط السيد الشيرازي) المقررة من قبل لاقامة المجالس في حسينيات لبنان، من دون ان يفكروا:
تاريخ السادة الشيرازية طوال مأة عام، أسلوبهم، اخلاقهم، علاقاتهم و… هل وجدوا شيئاً يتنافى مع المباديء السامية؟
الخطباء الذين جائوا الى لبنان طوال هذه السنوات، هل كانوا يستخدمون المجالس لطرح تقليد السادة الشيرازية؟
هل أكلوا أموال أحد؟
هل تعرضوا الى نواميس أحد؟
اذاً، ماهي المشكلة؟
فلو تكلم شخص من أتباع حركة أمل مثلاً حول اي شيء، فكري، سياسي، عقائدي و… وكان مخالفاً لجهات سياسية، او لمدرسة فكرية، أو… هل كان أحدا يتهم الاستاذ نبيه بذلك، او يعاتبه بشيء؟
فلماذا أتباع المدرسة الشيرازية بالذات؟
نعم، لأنها مدرسة الأخلاق والمباديء، والمفروض ان تكون القدوة فيهما، ولكن المطلوب محاسبة الاتباع كأفراد وليس كمدرسة. فتأمل
١٠ ديسمبر ٢٠١٧