ثمرة حياتي

في زيارة الى منزل احد الصحفيين الكويتين بعيد عيد الفطر المبارك (١٤٣٧) ودردشة حول اوضاع المسلمين، تذاكرنا المرحوم المقدس السيد محمد الشيرازي رحمه الله، فذكر لنا الصحفي ذكرياته عن آخر لقاء حصل بينه وكان برفقته بعض المؤمنين في زيارة للمقدس الكبير بدارته المتواضعة في قم، في اواسط شهر شعبان، يعني حوالي اربعين يوم قبل وفاته رحمه الله، قال سألته (وكأنما أحسست بقرب فقدانه) قائلاً: سيدنا ماهي ثمرة ونتاج عمرك، تتصوره؟

قال رحمه الله: اربعة كتب كتبتها، هي نتيجة حياة مليئة بالتجارب والعبر، كتاب السبيل الى انهاض المسلمين، كتاب الى حكومة الف مليون مسلم، كتاب الصياغة الجديدة، كتاب فقه السلم والسلام.

وكانت الثلاثة الاولى مطبوعة والاخيرة مخطوطة (آنذاك).

وانا ذكرت لصديقي الصحفي قصة عن مدى اهتمامه رحمه الله بالكتب التوعوية وقلت: ألزمني رحمه الله بالاشراف على طباعة الموسوعة الفقهية، الطبعة الثانية) وكان ذلك عام ١٩٨٤ ربما، واكتملت طباعة الدورة ب١١٠ مجلد في بيروت عند دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر، وكنت اذهب اليه للتشاور حول بعض النصوص الذي كان يصعب علينا استخراجها من الكتب الفقهية او الروائية، وكان يذكر لنا مصادرها او الكتب التي كان يعتمد عليها في شرحه على كتاب العروة الوثقى، حيث انه بدأ بكتابتها منذ حياة والده المقدس الميزا مهدي الشيرازي، وقد شكره على الجزء الاول وموضوعه: الاجتهاد والتقليد، ثم واصل التأليف في العراق في ضروف استثنائية، ثم الكويت، ثم في قم ثم مشهد ايام الحرب المفروضة على ايران، وثم في قم ثانياً.

و المشكلة تكمن عند اشخاص نعتبرهم موسوعيين في المعلومات لكثرة مطالعتهم، واحيانا لكثرة استيعابهم في تحليل النصوص، فيستخرجون العشرات من النقاط من حديث واحد، وكان سيدنا المرجع هكذا.

وفي احدى سفراتي الى قم المقدسة وتشرفي بلقائه، اخذت معي ٦ مجلدات من اجزاء الموسوعة خرجت لتوها من المطبعة، وبتصوري يفرح برؤيتها(!) لأنها كانت ثمرة جهده العلمي، وكان معي ايضاً كتابين توعويين من كتبه تطبع لاول مرة، وهما: (نحو يقضة اسلامية) بذل الجهد لطباعتها الاخ الحاج رعد قاري مسؤول دار القارئ ببيروت، وكتاب (الحريات في الاسلام) وكلا الكتابين كانتا مكتوبة في دفاتر عليها صورة عبد الكريم قاسم رئيس جمهورية العراق.

وضعت الكتابين التوعويين تحت مجلدات موسوعة الفقه، واخذت بشرح حول هذه الاحزاء، واذا بالسيد المقدس يأخذ الكتابين التوعويين من تحت مجلدات الفقه ولم يعتني بكتب الفقه، الا انه اخذ يتصفح الكتابين ويدقق في بعض الصفحات.

واستغربت من فعله هذا آنذاك، لكن اليوم نادم على استغرابي، لأن الامام رحمه الله كان يهتم بتوعية المجتمع أكثر مما يهتم بالكتب العلمية، لأنه وحسب فهمي كان يرى المرجعية والحوزة و… مقدمة لوعي المجتمع!

و لازلت اتذكر كيف كانت ملامح وجهه المبارك تتفتح ويبتهج لرؤيته الكتابين مع صغر حجمهما، ولم يتصفح اجزاء الفقه مع كبر حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية بحسب الموازين الظاهرية.

محمد تقي الذاكري

١٥/٧/٢٠١٦

شارك مع: