فلسطين،القضيةالضائعة

كتب (توماس فريدمان) الصحفي الامريكي مقالا في جريدة (الشرق الاوسط) بتاريخ 6/3/2002 وفيه بعض النقاط حول الاعلام الاسلامي والعربي وقضية الشرق الاوسط، مما ساعدني على مراجعة ذكرياتي فيما يرتبط بالامام الشيرازي (رحمه الله) وما قاله قبل اكثر من عشرين عام وفي بدايات الثورة الايرانية المباركة بهذا الخصوص.

فكان الامام (رحمه الله) يقول دائماً: الاعلام في دولنا انقسم الى قسمين: العربي والاسلامي، فالاسلامي غير موجودعملاً، والعربي لا يلتزم بالدفاع عن المسلمين، ولذلك لا يطرح مشاكلهم عادتاً، وبما أنه بيد السلطة والحاكم عموما، وينظر الى القضايا من زاوية القومية العربية، ولذلك فاذا دافع فيكون ذلك دفاعاً خجولاً. وفي الواقع ان المشكلة تكمن في المسلمين انفسهم فانهم لايعرفون من اين تؤكل الكتف؟

ولوانهم عرفوا المدخل والمخرج من الاعلام لكانوا اليوم اكبرقوة في العالم.وهذا هو سبب تشتتهم وتفرقهم وبالنتيجة فشلهم في كل مجال.

والى هذا الموضوع اشار ترومان في مقاله حيث قال: لماذا تخرج وسائل الإعلام العربية (ويقصد بذلك الاعلام الاسلامي) بعناوين خجولة عندما يقتل الهندوس مئات المسلمين؟

لكن ترومان يطرح الموضوع من زاوية اخرى ويؤكد استغرابه عندما يقول: بينما تشعل الدنيا غضبا عندما تقتل اسرائيل عشرات المسلمين، في حرب يقتل المسلمون خلالها يهوداً أيضا؟

فاشكال ترومان ليس على الاعلام العربي والاسلامي لأنه يتعاطى مع القضية الاسلامية بخجل، بل اكثر من ذلك فان الاشكال الوارد عليهم لأنهم لم يثيروا قضايا بديلة للقضية الفلسطينية ويفتحوا جبهة اخرى غير جبهة اسرائيل!

فترومان الذي يكتب في نيويورك تايمز ويخدم جريدة الشرق الاوسط لايريد حل المسألة الفلسطينية، انما يريد صب الزيت على النار المشتعل في الهند ويلفت نظر الاعلام العربي الى تلك المنطقة .

ومع ذلك فان هذا الكلام صحيح كما يقول الامام (رحمه الله) من جهات :

الاولى : ان الغرب يريد مصالحه (والكلام للامام المقدس) اولاً ومن ثم مصالح اصدقاءه في الدول الاسلامية، واصدقاء الغرب هم الدول وليس الشعوب، ولذلك فان الامم المتحدة التي استخدمت عبارة  (الامم) غير مهتمة بالامم حقيقة، ولو كان كذلك لكانت تتدخل عندما يقتل الحاكم شعبه وبعناوين مختلفة.

لا انها (أي المنظمة والغرب) وعندالاحراج وماشابه ذلك تقول : انها قضية داخلية لايمكن التدخل فيها، بينما تُسقط دولة في مكان ما في العالم ويُحاكم رئيسها اذا اضر وجوده او تصرفه بالمصالح الغربية، كما حصل ذلك مرارا، وآخرها ، وليست الاخيرة طبعاً، ماحدث في العراق ايام الانتفاضة

وثانياً: الاعلام العربي غير هادف في الدفاع عن القضية الاسلامية، لأنه اهتم بالقومية العربية ووضع نصب عينه الفضل العربي على العجمي وللتقوى مكان آخر …!

وثالثاً: لماذا هذا الضغظ المكثف ضد اسرائيل، فاذاكان لأجل محاربتها ضد الاسلام فالآخرون ايضا يحاربون الاسلام والمسلمين نوعا ما، فلماذا اسرائيل بالذات ؟

اضف الى ذلك: ان غالب حكام الدول الاسلامية تتعامل مع اسرائيل بشكل او بآخر .

اما في بيع وشراء البضائع والمنتوجات مثل الاردن .

او ضمن اتفاقيات (كانت غلطة ولايمكن الفرار منها كمايقول البعض) مثل مصر .

او ان هناك قضايا تجارية، مثل قطر .

اوانها لهناة بينهم وبينها، مثل المغرب .

واما لأنهم يشترون اسلحتها من الوسائط الذين من باب الصدفة يُكشف الغطاء عنهم ويتبين انهم يهود، ومن ثم يقولون: نحن نحتاج الى السلاح ونشتريه ممن كان ولايهمنا هويته !!

او انهم بحاجة الى تكنولجيتها المتطورة .

او لأن الارض المقدسة لاتعود الا بالتسوية، ولاتتم التسوية الا بعد اتفاقيات، وليست هناك اتفاقيات الا…. ويتكرر التاريخ والاتفاقية التي اُبرمت بين الدولة الاسلامية (في الاندلس بعد الفتح) والروم والحديث طويل وذو شجون .

ورابعاً: البُعد الحقيقي الحاصل عملاً بيننا وبين الاسلام (والكلام مازال للامام (رحمه الله) فهو المشكل، ولاحل للموضوع الا بالرجوع الى الاسلام.

اما مااشار اليه ترومان نقلا عن دبلوماسي امريكي يعمل في منطقة الشرق الأوسط من ان : إسرائيل، وليس العراق، ولا الهند، تمثل تذكيرا مستمرا للمسلمين بمستوى ضعفهم. فهو صحيح من جهة وضعيف من جهات .

صحيح لانهم لوكانوا اقوياء لماكانت تغلبهم اسرائيل وتستولي على اراضيهم وفي كل الجبهات ومن دون استثناء!!

وصحيح ايضا لانها (هي التي) تحترم شعبها وتمنحه الحرية الدينية والسياسية والاقتصادية وتعتقد انه الشعب المختارو…اما نحن فنختلف وشعبنا عموماً، او ننادي باسمها ونرفع العلم الديمقراطي وشعارات الحرية والمشاركة في الصحف ووسائل الاعلام و … لكننا نريدها لأنفسنا، وعندما رأينا الموضوع قد تبلور ويمكن ان يقترب الى الواقع فالهجوم على الجامعات والحوزة والاتهامات الملفقة و…، والاصلاحييون في قعر السجون وظلم المطامير !

وضعيف من انه :

اولا: اذا كان هناك تذكير لحصل نوع من الانتباه، وبما ان الانتباه لم يكن موجوداً فالتحذير غير موجود .

وثانياً: لولاجهلنا بالمسائل السياسية والاعلامية وغيرها لما كانت هي موجودة على وجه الارض(كما يحلو للبعض قوله) ولذلك فان جهلنا هو السبب في قوتها!! واليه اشار ترومان عندما قال: اعتقدت دائما، ان الافتقار لعزة النفس، وليس الافتقار للمال، هو الذي يقف خلف الكثير من الغضب الإسلامي، وهو سبب اشتداد حدة هذا الغضب في أوساط الشباب المسلم المتعلم، الذي يعاني من الإحباط.

فالاشكال وارد اولاً على حكوماتنا التي لم تشارك الرأي الآخر في الحكم، ولا في الاستشارات، ولا لا لا…، وبما انها مرتبطة بالغرب عادتاً فالاشكال وارد على الغرب الذي لم يُحرّض اصدقاءه ولم يتدخل لأنقاذ المظطهد و…فالاشكال وارد عليه ثانيا، ولذلك عندما يرى الشاب المسلم مايجري في فلسطين، ويعرف ماوراء الكواليس وما يجري من دعم لأسرائيل وارتباطات بينها والغرب والدول العربية والاسلامية، فانه ينطلق ليأخذ ثاره من الغرب .

الا ان ترومان اخطأ في تصوره في قوله: انهم (أي الشباب) هم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، وهم الذين جزوا رقبة المحرر الصحافي بجريدة «وول ستريت جورنال» داني بيرل .

لأن الذي هاجم في سبتامبر كان تلميذ المدرسة الامريكية قلباً وقالباً،وهناك هناة بينه وبين الدولة الامريكية (هذا اذا احسنا الضن ولم نقل بالاتفاق السري) ولا دخل للاسلام في ذلك .

ولعل ترومان يسأل من نفسه يوماً ما: من الذي اسس الافغان العرب وبن لادن ودعمهم، ومن الذي اوجد طالبان ودعمهم في كل قضاياهم؟

اضف الى ذلك الوثائق الموجودة والدالة على ان الذين نفذوا الهجوم كانوا مدعومين من قبل عناصر يهودية، وهذا غير خفي على المتأمل في الاخبار، والرواية الفرنسية الاخيرة (نشرتها وسائل الاعلام كافة في 7/3/2002 وبعدها) الدالة على تجسس اسرائيلي في امريكا، وان اسرائيل كانت على علم بالموضوع وانها لا تخبر الامريكيين بالتفاصيل و… ومايُنشراحياناً في بعض الصحف الغربية والعربية، وادلة اخرى ستُذكرلاحقاُ، او سينكشف الغطاء عنه، وكلها تدل على ذلك .

 فالشاب المسلم متحمس لدينه ومعتقده، لكنه تعلم منها ان العنف و الارهاب حرام باجماع المسلمين وان المؤمن لايفتك. وفي الحديث المتواتر سنة وشيعة، عن رسول الله (ص) انه قال: الايمان قيّد الفتك (او قيد الفتك) ولايفتك مسلم .

والملفت للنظر، ان اسرائيل هي التي تروج لمثل هذه الاشاعات (الهجوم الشرس في 11 سبتامبر) لتشوّه سمعة الاسلام والمسلمين وتمنع المد الاسلامي في الغرب (ربما) .

اما مقولة ترومان في آخر المقال: (لو أن الفلسطينيين قالوا: سنعارض الاحتلال الإسرائيلي باتباع مقاومة سلمية، ولو لم يتوفر لنا خيار آخر، فاننا سنقيم مجتمعا فلسطينياً، ومدارس واقتصاداً، وكأنه لا يوجد هناك احتلال. حينها كان بامكانهم ان يقيموا دولة نوعية منذ وقت طويل. لكنهم بدلا عن ذلك سمحوا للاحتلال بأن يفرض عليهم حركتهم) .

فهو اشكال وارد البته، وهذا الطرح طرحه ممثل الامام (رحمه الله) على ياسر عرفات سنة 1981وقبل الاجتياح الاسرائيلي الى لبنان، وكان الاجتماع في بيروت في مكتب ياسر عرفات في منطقة كولا و قبيل الظهر، وكان ابؤ اياد موجود، الا ان النتيجة، وبعد ثلاث ساعات من النقاش في التفاصيل، كانت ابتسامة ابوعمار .

اذ ان الامام (رحمه الله) كان يرى الحل في امور، منها: الغاء الحجارة (التي كان ابوعمار يفتخر بها آنذاك)، والعمل السياسي والاعلامي المكثف واتباع نهج اللاعنف .

اما مايطرحه الامير عبدالله اليوم من تبادل الارض في مقابل التطبيع، فقد تنبأ به (رحمه الله) وقال في خطاب له، مما اثار ضجة في الحوزة العلمية واعترضت عليه ايران آنذاك، فقال: وانني ارى بوضوح ماسيصل اليه المسلمون من عرض التطبيع والتنازلات الكثيرة التي تتبعها في مقابل استرجاع الارض ، ولم ترضى اسرائيل بذلك، اذ انها لاتريد الا الوصول الى النيل والفرات، ولو لم ينتهج المسلمون منهج اللاعنف فستكون القضية الفلسطينية، القضية الضائعة…(وللكلام تتمة).

فالاسرائيليين ينظرون الى القدس والصراع مع العرب بنظرة دينية بحتة، وهذا مالايشير اليه امثال ترومان على الاطلاق، لأنه يرى الموضوع من منظار اسرائيلي، اذ انه هو الغاصب وهو الذي يستعمل الاسلحة الفتاكة و… والفلسطينيين انما يستعملون السلاح الخفيف في الدفاع (كما يسمونه) او الهجوم (كما تسميه الصهيونية) والمهاجم من المفروض ان يستعمل السلاح القوي والفتاك في هجومه.

والطبيعة الاسرائيلية معروفة دوليا ومنذ اكثر من مأة عام واكثر، وتقول الاسناد السرية نقلا عن «يو. إس. ايه. توداي» والتي نشرتها صحيفة الشرق الاوسط انه وفي محادثات رئاسية رفعت عنها السرية في الآونة الاخيرة، ان الرئيس الاميركي الاسبق ريتشارد نيكسون تحدث يوم 1 فبراير (شباط) 1972 مع القس بيلي غراهام، اشهر مبشري أميركا آنذاك، عن اليهود ووصفهم بعبارات شديدة اللهجة، وقال: اليهود أوغاد غير أوفياء ويجب كسر سيطرتهم على الإعلام.

وكشفت التسجيلات ان نيكسون اتصل بعد لقاء القس بيلي غراهام باتش. آر. هالدمان، الذي كان حينها كبير موظفي البيت الأبيض، وقال له: «هل تدري ان طرحنا لهذه النقطة بشأن اليهود كان جيدا. فاليهود عبارة عن مجموعة من الأوغاد غير المتدينين، وأناس بلا أخلاق».

وفي محادثة اخرى رفع عنها غطاء السرية كذلك، أصدر نيكسون أمرا للمحقق الخاص تشارلز كولسون ليكشف عن معدلات البطالة. وتساءل نيكسون: «أهم جميعا يهود؟». فقال كولسون: «اذا ما نظرت الى قائمتهم اللعينة فستعرف انهم هنا للقضاء علينا». حينها رد الرئيس الاسبق «معظم اليهود غير أوفياء، ولا يمكنك الوثوق باللقطاء. انهم ينقلبون عليك».

والى مثل هذه العبارت المذكورة في التاريخ عن الفكر والتصرف اليهودي، اشار الامام (رحمه الله) في كتاب كتبه قبل اكثر من اربعين عام على الاقل، واسماه: (هؤلاء اليهود).

وآخرون في كتاب: بروتكلات حكماء صهيون.

واعتقد (رحمه الله) في كتابه: (هل سيبقى الصلح مع اسرائيل؟)، ان الصلح معهم غير مجدي، فانهم ليسوا اوفياء ولايفون بتعهداتهم، والتاريخ اثبت ذلك، وكذلك في المحادثات العربية الاسرائيلية وان كانت باشراف الامريكيين.

ومع ذلك كان لايرى جدوائية العمل المسلح ايضاً.

اماالامريكيين فانهم وفي المحادثات مع العرب كانوا بارعين في الخداع. يقول كيسنجر: ان كلينتون (حيث كان رئيسا لأمريكا) برع في الكذب واختلاق المواقف وتبني سياسة الهرب عند حدوث المشاكل.

واليوم (والكلام للامام رحمه الله) اذا اراد الامريكييون ان يتوفقوا لحل الصراع العربي الاسرائيلي، ووقف نزيف الدم، فعليهم ان ينظروا الى القضية من منظار السياسة والتعهدات واخذ العهود والمواثيق من الجانبين، لا ان ينظروا الى الموضوع من منظارالحماية لاسرائيل.

واليه اشار كيسنجر، فانه ايضاً يرى ان سياسة اميركا الخارجية يجب ان تستند الى الدبلوماسية وليس العنف، والتحدي الاميركي الكبير يجب ان يكون(والكلام لكسينجر) في تحويل القوة الى اجماع اخلاقي حتى يتقبلها العالم بالارادة الحرة.

ولولا ذلك، فان الحضارة الامريكية (والكلام للامام رحمه الله) تخسر كلياً المعركة وتتبدل الى دولة منبوذة في العالم، شأنها شأن بريطانيا اليوم.

والكلام طويل.

واشنطن

10/3/2002

شارك مع: