من هي السيدة عائشة في القاهرة؟

يعتقد البعض أن ميدان السيدة عائشة وسط القاهرة نسبة لزوجة الرسول صلى الله عليه و آله، ولكن الواقع والبناء التاريخي الموجود يقول ان الميدان نُسب إلى احدى بنات الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الامام على زين العابدين ابن الإمام الشهيد الحسين ابن الإمام على بن أبى طالب عليهم افضل الصلاة وازكى التسليم، قيل انها سُميت عائشة.

وكان الإمام جعفر الصادق عليه السلام والدها، عميداً لآل البيت عليهم السلام و المعلم الاول لمؤسسي المذاهب الاربعة، حيث تتلمذوا عنده وخرجوا عليه بتأسيسهم لمذاهب مخلفة بناء على طلب السلطة آنذاك.

وقد أجمع المؤرخون علي قدوم هذه السيدة  رضوان الله عليها إلي مصر ووفاتها فيه.

يقول السخاوي في ( تحفة الأحباب) أن السيدة عائشة مدفونة في مصر، وأنه عاين قبرها في تربة قديمة علي بابها لوح رخامي مدون عليه ” هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق ابن الإمام محمد باقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه”.

وقال : كان ضريح السيدة عائشة في البداية صغيرًا وبسيطًا، ثم أهتم بعمارته الفاطميون والأيوبيون، حيث أنشأوا بجوار الضريح مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.

و عندما أحاط صلاح الدين الأيوبي القاهرة والعسكر والقطائع والفسطاط بسور فصل بين قبة السيدة عائشة وبين القرافة، ثم فتح باب في السور إلي القرافة سمي بباب عائشة، ويعرف الآن بباب القرافة.

و لقد ألحق بالضريح مسجد يعرف بمسجد السيدة عائشة، ولقد اعاد عبد الرحمن كتخدا بناء المسجد سنة 1176 هج / 1762 م. ثم هدم المسجد وأُعيد بناؤه سنة 1971 م على ما هو عليه الآن.

والمقام الرفيع والمسجد يقع في حي الخليفة بالقاهرة خارج ميدان القلعة في شارع سُمي بإسمها.

والسؤال هو: هل يذكر التاريخ اسم هذه السيدة في سرده لاولاد الامام الصادق عليه السلام؟

الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) ذكر ان أبناء أبي عبد الله (عليه السلام) هم عشرة , وهم: إسماعيل، وعبد الله، وأم فروة، وكانت أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام), وموسى، وإسحاق، ومحمد، لأم ولد, والعباس، وعلي، وأسماء، وفاطمة، لأمهات أولاد شتى. فلم يذكر هذا الاسم في  أبناء الإمام الصادق (عليه السلام)، إلا أن يٌراد بها أم فروة , وهذا ما صرح به بعض الكتب المعاصرة.

الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله في كتابه (من حياة الامام الصادق عليه السلام يذكر تفاصيل عن اولاد الامام عليه السلام ويقول: ان اولاد الامام عشرة، سبعة ذكور وثلاث إناث، و ان ام فروة اسمها  اسماء.

و على اية حال،  فالمصادر  تقول: أن سبب مجيئها إلى مصر هو الفرار من بطش المنصور , وكان في صحبتها إلى مصر إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب , ولم يتجاوز عمرها العشرين سنة.

وقيل : انها  رضوان الله عليها كانت أخت إسحاق المؤتمن زوج السيدة نفيسة رضوان الله عليهما.

وربما حصل بعض الخلط في التسمية، فأم فروة هي ام الامام الصادق عليه السلام، بينما ذكروا أن (أم فروة) هي بنت الامام الصادق عليه السلام أيضاً.

الا اللهم ان يُقال ان الامام عليه السلام لكثرة حبه لأمه المُكرمة، وإحياءً لذكرها، كنى إحدى بناته بكنية أُمه صلوات الله عليهم اجمعين.

وعلى اية حال، قالوا انها سكنت  مصر وكانت تعقد في بيتها لقاءات فقهية عديدة والذي أصبح مزاراً مهماً لمحبي آل البيت.

و اشتهرت رضي الله عنها بأنها عروسة آل البيت عليهم السلام و ما أكدته معظم المصادر التاريخية أنها ماتت في سن صغيرة دون زواج، فأقامت في مصر و كثر مريدوها .

وجاء في بعض المصادر الأخرى أنها كانت زوجة لأمير المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب .

وهذا بعيد جداً، لوجود نصوص قوية تدل على منع الأئمة عليهم السلام حصول اختلاط في الدماء والانساب من جهة (كما هو المعروف من وصية الامام الكاظم عليه السلام في عدم تزويج بناته و استمر المنع  حتى زمن الامام الجواد عليه السلام، وأنه اوقف بساتين وضيع لمصاريفهن، وللبحث تفصيل ذكره الامام الراحل السيد محمد الشيرازي في لقائه مع الخطيب الشهير السيد الفاطمي) و عدم التقارب مع السلطات من جهة اخرى.

أما في تسمية البنات بإسم عائشة وماشابه ذلك في مدرسة أهل البيت عليهم السلام فكانت غير مألوفة.

بظميمة مانُقل عنه عليه السلام في جواب من قال له: سميت  ابنتي حميراء، فقال عليه السلام: غيّر اسمها، سمّها فاطمة…

ومن هذه النصوص ما روى الشيخ المفيد عن يعقوب السراج قال دخلت على ابي عبد اللّه (عليه السلام) وهو واقف على رأس ابي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في المهد فجعل يساره طويلاً فجلست حتى فرغ فقمت اليه فقال ادنُ الى مولاك فسلم عليه فدنوت فسلمت عليه فرد عليَّ بلسان فصيح ثم قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها امس فانه اسم يبغضه اللّه وكانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) : انته الى امره ترشد فغيرت اسمها.

و على اية حال، فقد تشرفتُ بزيارة هذه السيدة الجليلة في عام ٢٠١٩ و وجدت الكتابات التي تؤيد نسبتها الى الامام الصادق عليه السلام، إلا أن عامة الناس جهلوا حقها وخلطوا الموضوع باعتقادهم ان المقام والمسجد هو لعائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله، بينما التاريخ لم يذكر لعائشة زوجة الرسول قبر، إلا ما ذكر بعضهم من انها دفنت في البقيع الغرقد، وانها ماتت إثر مرض.

بينما النصوص الأخرى تقول ان معاوية أخذها (في حوار سياسي) متفرداً بها الى خارج المدينة ودفعها في بئر ولم يعرف احد عن الموضوع، ولا مكان قبرها.

يقول بن خلدون  أن معاوية … هو من قتل السيدة عائشة …

و في (الصراط المستقيم: 3/ 47) تعليق الأعمش على قول معاوية: ((ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا أنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون! ألا واني كنت منيت الحسن واعطيته اشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له)).

قال الأعمش: ((هل رأيتم رجلا أقل حياء منه؟ قتل سبعين ألفا فيهم عمار وخزيمة وحجر وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر والأشتر وأويس وابن صوحان وابن التيهان وعائشة وأبي حسان ثم يقول هذا؟!)) أنتهى. فهذا تصريح من الأعمش بأن معاوية قتل عائشة!!

وقال الحاكم (3: 76): ((أنها قالت عند موتها: الحمد لله الذي يحيي ويميت أن في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر! رقد في مقيل له قاله فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شر أو عجل عليه فدفن وهو حي فرأت أنه عبرة لها)). (شعب الإيمان: 7/ 256وتاريخ دمشق: 35/ 38).

وهذا يعطي ضوءاً على ظروف سم عبد الرحمن وظروف موت عائشة! قال البياضي العاملي في (الصراط المستقيم: 3/ 630)، ونحوه في (3/ 45): ((وقال صاحب المصالت: كان معاوية على المنبر يأخذ البيعة ليزيد (في المدينة) فقالت عائشة: هل استدعى الشيوخ لبنيهم البيعة؟ قال: لا,قالت: فبمن تقتدي؟ فخجل، وهيأ لها حفيرة فوقعت فيها وماتت)) انتهى، ومعنى خجل معاوية أنه أفحم!

على ان معاوية لا يحتاج لأن يحفر لها حفرة ويغطيها لتسقط فيها إلا أن يكون ذلك مساعداً لمجموعته المتخصصة في السم بادارة طبيب يهودي!

كما لا نستبعد نقمة مروان الذي اصطدم بها وبأخيها عبد الرحمن بشدة وهددته بقولها: ((يا مروان افينا تتأول القرآن وإلينا تسوق اللعن والله لأقومنَّ من يوم الجمعة بك مقاماً تود اني لم اقمه))! (الأغاني: 17: 375)، لكن عائشة ماتت قبل ان تقف وتخطب يوم الجمعة، كما مات أبي بن كعب يوم الأربعاء قبل أن يقوم يوم الجمعة ويفضح أهل الصحيفة والعقدة!

وقد استنكر معاوية على ابن عمر بكاءه على عائشة! ففي (وفيات الأعيان 3/16): ((ولما ماتت بكى عليها ابن عمر فبلغ ذلك معاوية فقال له: اتبكي على أمرأة؟ فقال: إنما يبكي على أم المؤمنين بنوها، وأما من ليس لها بابن فلا …)) إلى أن يقول الكوراني: فالمتفق عليه عند الجميع أن عائشة ماتت وهي مغاضبة لمعاوية وليس لها إمام.

ويؤيده مارواه الترمذي في سننه (2414) : ” أن مُعَاوِيَة كتَب إِلَى عَائِشَةَ (…) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ (..)  إِلَى مُعَاوِيَةَ : سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” (2024) .

القاهرة ١٠/١١/٢٠١٩

شارك مع: