هل السياسة كذب ودجل؟

اختلفت الآراء في تعريف السياسة، هل انها ادارة العباد والبلاد، ام انها ادارة البلاد في خدمة العباد، أم ادارة العباد في خدمة البلاد، أم ادارة العباد ليكونوا متاريس لخدمة أُناس استولوا على مصالح البلاد أم …..

لا نتكلم هنا عن التعريف السياسي في الكتب، إنما نتكلم عن واقع معاش في دول الشرق الاوسط والدول الغربية.

الملفت للنظر، وفي الشرق الاوسط بالذات، عندما يدخل رجل دين، أو شخص متدين، الى الوسط السياسي، نرى السياسيون يهمسون في اذنه: انت وين والسياسة وين، السياسة كذب ودجل، ليش تدخل في مجال هو مو من تخصصك، وامثال هذه العبارات المهذبة.

لكن في الغرب بشكل عام من لم يتدخل في السياسة فكأنه فعل منكراً أو تنازل عن حق شرعي وقانوني ليس له التنازل عنه.

لو اردنا الدقة في الكلام، نرى ان الناس في المجتمعات المختلفة، كالإناء، وكل ينضح مافيه(!)

فالغربي الذي يعتقد ان السياسة ادارة البلاد والعباد في سبيل تحقق مصالح ثلاثية الأبعاد و مشتركة بينه والمجتمع ومن استولى على مصالح البلاد، لايمانع رجل الدين في تدخله مجال السياسة، إنما يعلمه الاسلوب المجدي في عمله، بينما الشرق اوسطي الذي يستعمل الدجل والكذب (على الأغلب) في ادارته للمجتمع، يرى ان هذا التدخل أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، وذلك لأن المواطن في المجتمع الشرق أوسطي أفهموه وأقنعوه ان السياسة دجل وكذب وتزوير وسرقة اموال الناس وهتك اعراضهم و قتل النفوس المحترمة احياناً، ولذلك المواطن لايمانع السياسي من استعمال المحرمات هذه، ولم يطالب بحقه، بحجة ان السياسيين كلهم…..

دعنا ننظر ونتأمل في اللقاءات الصحفية للسياسيين في كلا المجتمعين:

السياسي الغربي، ربما لايقول كل الكلام ويستعمل التورية حسب المصطلح الشرعي عندنا، ألا أن المجتمع حسب ذكائه يفهم قسم من الكلام على الأقل.

بينما السياسي في الشرق الأوسط يقول خلاف الواقع وينكر اذا تبيين غير ذلك، وانكشف الأمر.

ولذلك أصبح المجتمع الشرق أوسطي يعتمد في استماع الاخبار او مشاهدة الاحداث على الاذاعات الغربية الموجهة للشرق الاوسط، والهادفة حقيقة الى غسل دماغ الناس في سبيل مصالح غربية.

فاذاعة مونت كارلو او ال بي بي سي وغيرهما تراهم (ومع الأسف) يقولان الخبر أقرب الى الواقع (!) في كثير من أحداث الشرق الاوسط بالنسبة الى اذاعات وفضائيات دول الشرق الأوسط.

حتى السياسي عندنا قبيل سفره يصرح بما يريد ان يقول بعد السفر، وذلك ليوصل رسالة الى خصمه بأن ظروفنا وأجواءنا تختلف عن ظروفكم، لعل الخصم يترحم عليه ولايصرح بالواقعيات.

ولذلك نرى اسرائيل، وفي الاعلام، يقول ماينكره السياسي الشرق أوسطي من التقدم (وليس البدئ) في المباحثات في موضوع التطبيع، بينما الشرق أوسطي يقسم الموضوع الى تقسيمات، مثل الرياضة والاقتصاد و…. فيجوّز التطبيع في بعضها ولايصرح بالتطبيع في قضايا اخرى، ولذلك عندما يتصرف رئيس البرلمان الكويتي مع الوفد الاسرائيلي في اجتماع رؤساء البرلمانات، تصرف يختلف عن تصرفات أقرانه من دول مختلفة، بقي الخبر في اجواء الكويت، و طم طمه الآخرون، لكي لاتنفتح ملفات اخرى هم في غنى عنها.

انا لا اريد مدح أحد ولافي صدد الذم، كما لا اناقش التطبيع من عدمه، انما الكلام يدور في ذم أومدح سياسيين يستعملون التورية وهم كفار، وآخرين يكذبون على الناس وهم مسلمين.

وهذا، ربما، يدل على ان السياسي الغربي درس السياسة و مارس أساليبها في اجواء الحرية، بينما السياسي الشرق أوسطى صعد من أجواء غير أكاديمية، اولاً، ومن ثم يعتقد ان الناس لامحالة يحتاجونه وينسون أخطاءه في سبيل الحصول على مكاسب محتملة.

فكلاهما يصعد السلم، وكلاهما المجتمع بحاجة اليه، احدهما يظمن دنياه وآخرته، والآخر يخسر آخرته اولاً، ومن ثم دنياه بعد فترة من الزمن.

اذ أن التحالفات والمكاسب تتغيير من زمن الى آخر، والكذب والنفاق في سباق و تصاعد كماً وكيفاً، فلا مجال لبقائه مادام غيره يتنافس معه في نفس الموضوع، فهو كالسيگارة التي انتهى مفعولها(!)

فالسياسة كذب ودجل و… في مجتمعاتنا، وفي الغرب ادارة وتقدم وخدمة الأهداف المرسومة من قبل، ولذلك ترى السياسي الغربي يبقى مستشاراً للحكومات المختلفة، ويبقى علماً لاجيال المستقبل، يحاضر في الجامعات و …، بينما السياسي عندنا، إما تجده في اروقة المحاكم يدافع عن نفسه، أو هارب ولاجيء عند إحدى الدول الغربية، أو…

طبعاً هذا لايعني ان كل السياسيين في الشرق الأوسط هكذا، بل وبالعكس عندنا سياسيون أسسوا لحكومة الضل والمعارضة السياسية، وهناك منصفين يترقبون الأوضوع، ويبقى السؤال: ماذا لو دخلوا هؤلاء الملعب السياسي في المستقبل وذاقوا طعم السرقات المبرمجة، فهل يبقوا شرفاء كما كانوا، أم ان الدنيا تبهرهم ويتفلسفون للناس لتبرير ما يعملون؟

قطعاً الدنيا لاتخلوا من حجة.

محمد تقي الذاكري

٢٤/١٠/٢٠١٧

 

شارك مع: