الاستبداد، ثقافة ام انحطاط ؟

لقد كتب الكثير حول هذا الموضوع بالذات، وحصل الاشباع، الا انه في الواقع هناك مدرستان فكريتان، احدهما مبني على العقل الضيق والذي سمي بالحزبي، والاخر مبني وفق مدرسة اهل البيت عليهم السلام.

ففي النظام الحزبي، وكذلك العسكري، نفذ ثم ناقش، وفي النظام التربوي الاسلامي لاتنفيذ قبل حصول القناعة.

وقد لاحظت ذلك من خلال معرفتي بهاتين المدرستين في اوساط الحوزة العلمية.

فالمدرسة الحزبية، سواء كانت دينية او سياسية، وجدت طريقة التعامل في الطاعة، ومن اجتهد فاخطأ.

ولكن في المدرسة الشيرازية التي لانظير لها في الفترة الاخيرة على الاقل (ولاشك انها تمثل مدرسة الولاء لائمة اهل البيت عليهم السلام) وجدت ان الفرد اهم من المشروع، واذا اقتنع الفرد بفكرة معينة اصبح هو المسؤول امام الله سبحانه وتعالى، وليست الطاعة العمياء.

ووجدت ان الشيرازيين، بالفتح، (أعني الامام السيد محمد والمرجع الكبير السيد صادق رحم الله الماضين وحفظ الباقين) يطرحون الفكرة ويناقشوها وان طال الزمن، ووجدت احيانا ينفذون فكرتهم( التي بعتقدون بصحتها) من خلال اشخاص اخرين عندما يرون ان الفرد او الكادر الذي يعمل معهم لايستوعب، او انه غير مقتنع بالفكرة، لكن هناك حاجة ملحة لتطبيق الفكرة في فترة زمنية معينة، ولعلهم يؤخرون تنفيذها اذا لم تكن هناك ضرورة ملحة.

ومن خلال كتبه، وجدت الامام الراحل السيد محمد الشيرازي يناقش الاستبداد و يبيين قذارته وبشاعته الى ابعد الحدود، وقد دمج هذا العنوان في أغلب كتبه، وان كانت لاتندمج مع مضمون الكتاب، لكنه اراد التاسيس لنبذ الاستبداد المتأصل في مجتمعاتنا، فلفترة من الزمن كنت افكر انه يقصد الاستبداد بماهو من مادة والفاظ، لكن اليوم اتصور انه كان يهاجم الاستبداد لانه دخل الجانب الديني، وكان يرى خطورة اندماجه مع العامل الديني أهم واتعس  من وجوده في الدولة.

وبذلك كان يدفع الشبهة عن الاسلام ليجيب عن ماضي الاسلام الذي تمثل في الدولتين الاموية والعباسية، وكذلك ايران المعاصرة، وكلها كانت دول باسم الاسلام و شوهت الوجه الناصع للاسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه واله، وعمل في انجاحه الامام علي عليه السلام.

الشعب مصدر التشريع او حامي الشريعة؟

شعار ناقشه المستعمر من خلال اجندته الخاصة وعلى لسان متجددين في الدول الاسلامية، وعلى الخصوص من خلال الربيع العربي المشؤوم الذي احرق اليابس والرطب، وبذل جهده ليقول ان الشعب مصدر التشريع، من دون ان يلاحظ قدرة الشعب على التفكير ومدى استيعابه لمثل هذا الموضوع الخطير.

و صحيح ان الاسلام ايضا اكد مرارا ومن خلال قواعد فقهية مثل : الناس مسلطون على انفسهم واموالهم، و قواعد اخرى ليقول: الشعب حامي الشريعة ورأيه نافذ في التصويت، ومن قبله قال الله سبحانه وتعالى: (ليقوم الناس بالقسط)، ولا حكم من دون موافقة الناس، ولايجوز التصرف في ممتلكات ومصائر المجتمع الا من خلال رأيه وموافقته.

بقي الكلام في ان هذه الثقافة يجب ان تكون لمن وماهي الالية؟

القران يجب على ذلك بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم … ليقوم الناس بالقسط.

والغريب في الامر ان الاسلام ومن قبله القران كان معتمدا (بفتح التاء) لدى مؤسسي الديمقراطية والحرية في بلدان بعيدة عن الاسلام كالولايات المتحدة الامريكية ( دولة غربية) واسرائيل (دولة شرق اوسطية) في كتابة الدستور، بينما الدول الاسلامية اخذت قوانينها من دول غربية كفرنسا وبلجيكا وغيرها واقفلت باب التجديد لسنوات طويلة، وذلك لانها كانت محكومة بعقول عجاف حكمت هذه البلدان الغنية بالثقافة والحضارة.

ففي دلولنا الشرق اوسطية، ومع الاسف، العقل اسم لشيء قل وجوده، او قل استخدامه، وذلك لان الحاجة اليه اصبحت معدومة!!! فالحاكم وحده هو الذي يجوز له استخدام العقل، والناس امعة تركض وراء الحاكم بالمباشرة او غير المباشرة.

والغريب ايضا ان الدول الغربية مع وجود برلمانات، يستفتون الناس في تدوين القوانين المهمة المتعلقة بشؤون الناس، فامريكا مثلا عندما ارادت التصويت على الزواج المثلي، او اي قانون مرتبط بحياة الناس، اخذت رأي الناس ودمجت التصويت عليه ضمن انتخاب اعضاء البرلمان، فكان المواطن يصوت على موضوعين او اكثر في اثناء التصويت لانتخاب مرشحه للبرلمان.

هذه اسرائيل الغاصبة للارض عندما ترير التفاوض على شبر واحد او قرار يخص السلام (بتعبيرهم) يقول (سنعرض أي اتفاق سلام على استفتاء) وليس هذا كلام نتانياهو الاخير فقط انما هو تصريح لاكثر من مسؤول اسرائيلي، مع انهم يخضعون للكنيست ايضا، ولكن العرب (اعني الزعامات) يتنازلون على الاراضي الفلسطينية ويؤسسون لتمتين العلاقات والتطبيع مع اسرائيل ومن دون الرجوع الى شعوبهم، وغاية مافي الامر يجيب المسؤول: ان البرلمان منتخب من قبل الشعب !!!!! .

فالديمقراطية ثقافة يجب ممارستها، والديكتاتورية انحطاط لمستوى امة وليس للمسؤولين فحسب.

٢٠ جمادى ٢ يوم المولد الفاطمي المبارك ١٤٣٤ من الهجرة

شارك مع: