(من تاب معك) بين المطرقة والسندان

طوال شهري محرم وصفر من هذا العام وانا أفكر وأتأمل في النصوص الدينية، وفي ما جرى على آل الرسول عليهم الصلاة والسلام، بشكل خاص، من ظلامات.

ومن ضمن التأملات: اخذت بالتفكر في مقطع من سورة هود المباركة، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: شيبتني سورة هود.

الآية هكذا: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

التفاسير تأخذ يميناً وشمالاً لفهم هذا النص، لكن الذي توقفت فيه هو ان الذي شيّب رسول الله صلى الله عليه وآله) لعله يكون مدلول لفظ: ومن تاب معك.

أذ أنك تتغلب على المشاكل وتصبر، وحسب كلام المرجع الشيرازي حفظه الله: ان ذلك من عزم الأمور، ولكن هل تتمكن من اقناع (من تاب معك) على ان يتحمل ما تحملت ويصبر كما صبرت؟
نعم الآية الكريمة تقول: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وانت تشرح ذلك له بتفصيل، ممل احياناً، لكن هل يستمع اليك؟

القران الكريم يتحدث عن أُناس كانوا مع الانبياء وآمنوا بهم لكن في مثل هذه المراحل لم يتحملوا كما تحمل الرسول أو النبي، وحتى الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

فالاستيعاب و كيفية انتخاب الطريق أمر مرتبط بمقدار الفهم الصحيح لكل شيء، وهذا المقدار من فهم الموضوع أمر معترف به عند الجميع بلا شك وريب.

لكن عندما تتعرف الى قلوب لم تصل الى مرحلة امتحنها الله بالايمان، تراهم يأخذون باتجاه لم يرتضي له الله والعترة الطاهرة سلام الله عليهم.

فاخذت عيّنة واحدة لزماننا، مثلاً المدرسة الشيرازية والاتهامات الواهية التي تأتيهم من كل حدب وصوب، تارة لمعتقداتهم وتارة لتصرفات لآخرين ممن يتولوهم.

المعتقدات لم نناقشها، لأنها ضمن دائرة الايمان والاجتهاد، والسادة الشيرازية اثبتوا أنهم غير آبهين بالقضايا الدنيوية، وأنهم لا يلعبون وفق المصالح.

و الاعداء ( أو المخالفين) يضربون المدرسة لتصرفات الآخرين، مع علمهم بان الانسان مسؤول عن اعماله وتصرفاته وليس عن الآخرين، سواء كان في المعتقدات أو الأعمال.

المدرسة الشيرازية في الجواب تقول: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. وبدل ان يجيبوا على الاتهامات الواهية دفاعاً عن انفسهم، يتمسكون بالآية المباركة: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
ويختمون الجدل بالآية الشريفة: وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ.
لكن ان يتقبل الآخر هذا الاستدلال، هذا أمر مستحيل من جهتين:
الاولى: ان المعادي والمعترض له مصلحة في الجدال، على الأقل في أن يمنعك من العمل ولو لفترة معدودة.
فالشيطان الذي يطمع في ان ينقلك من فريضة الى فريضة، كيف لايقتنع بمثل التفرقة بين المسلمين من مذهب واحد؟

الثانية: ان العدو قد يكون جاهل بالحكم و الموضوع و لايعلم بخلفيات العداء، فينادي كالببغاء، ويدخل في صراعات ونشر الاكاذيب والافتراءات و…
من جهة اخرى: اننا نجد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولاقياس، من كان من الاصحاب لايفكر أو يتصرف كما يفكر أو يتصرف الرسول، ولم يعترض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك الانبياء السلف، فكيف تتوقعون من السادة الشيرازية الاعتراض على من لايفكر كما يفكر المرجع نفسه، أو يحاسبه كما يحاسب نفسه؟
فكل انسان مسؤول عن افكاره وتصرفاته، وانه لم يتحمل تبعات الآخرين.
فمحاسبة المدرسة الشيرازية بما يفعله المقلد او الموالي، أمر في غاية السفاهة بالاجماع، نصاً وعقلاً.
نسأل الله التوفيق والوعي. انه سميع مجيب.
٢٩ صفر ١٤٤١

شارك مع: