الوصية بالثلث، ثقافة

محمد تقي الذاكري

قالوا: الوصية عهد الإنسان في حياته بما يريده بعد وفاته، وهي من المستحبات المؤكدة، وقد ورد فيها: أنها حق على كل مسلم، وأنه لا ينبغي أن يبيت الانسان إلا ووصيته عند رأسه.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروته وعقله» .

وعنهم (عليهم السلام): «إن الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم تطولت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيراً، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيراً».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.

فالوصية تكليف شرعي وبالثلث حق للانسان، ولولا الوصية لايجوز صرف مال الميت الا باذن ورثته، ولو لم يوصي صاحب المال، او رفض الوارث صرفه  على صاحب المال، لايجوز اجبار الوارث.

فاذا أوصى بصرف ثلث ماله في المشاريع الخيرية بشكل عام، أو ذكر اسما، أو نوعا من الأعمال، فقد استفاد من حقه، ورسم مستقبله بوصيته هذه.

ففي بلاد الغرب، اعتاد التجار والمثقفون بوقف، أو وصية أموالهم لمشاريع اعتقدوا بها في حياتهم، وبهذا العمل الانسانى أسسوا لمستقبل تاريخهم، وبهذه الطريقة تم بناء جامعات ودور العجزة وغيرها من المؤسسات الثقافية أو الخدمية.

وكان الامام الشيرازي رحمه الله يأمر بصرف الثلث لمشاريع باقية معتبرا أنها صدقة جاريةوهي حسب النصوص الدينية من أكثر الأعمال الصّالحة التي يُحبّها الله سبحانه وتعالى، وحثّ الرسول صلى الله عليه وآله في كثيرٍ من الأحاديث النبوية الشريفة على فعلها.

وكان يقول رحمه الله: ان مِن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن ترك أبوابَ حصولهم على الأجر والثواب مفتوحةً حتّى بعد مماتهم، ومن هذه الأبواب؛ باب الصدقة، وخصّ بذلك الصدقة الجارية منها التي يستمرّ أجرها وثوابها.

وفي النصوص:

قال تعالى : يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي.الفجر 23-24

وقال تعالى :واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين .الزمر55-58

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه: من علَّم علمًا؛ أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه.

وعنِ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمدٍ (علیهِماالسّلام) قالْ: لَیسَ یَتْبَعُ الرَّجُلَ بعدَ موتِهِ مِنَ الاَجر اِلّا ثَلاثَ خِصال: صَدَقَة أجْراها فى حَیاتِه فَهِىَ تَجرى بَعدِ موتِه و سُنَّة هُدًى سَنَّها یُعمَلُ بِها بَعد موتِه و ولَدٌ صالِحٌ یَسْتَغْفِرُ لَه.

فالصدقة الجارية تُكفّرعن الخطايا.

وهي من أسباب دخول الجنة، والعتق من النار.

من أسباب النجاة من حرّ يوم القيامة.

من أسباب النصر والرزق للعبد.

يحفظ الشخص بالصدقة نفسه عن الشحّ والبخل.

تجلب البركة والزيادة والخلف.

تُعتبر من أسباب رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده.

يكون المجتمع المسلم بالصدقة كالأسرة الواحدة.

تُطفئ غضب الربّ سُبحانه وتعالى.

وتعدّ الصدقة من الإحسان الذي حثّت عليه الشّريعة الإسلامية.

والعشرات من الأمثلة الاخرى.

وختاما، أقول:

العشرات من المنظمات الانسانية التي تعمل للدفاع عن الاسلام كعقيدة، أو عن المسلمين كأشخاص، كلها بحاجة الى الدعم المادي، ولايمكن الحصول على هذا دعم الا بالارتباط بالحكومات، أو الحصول على المساعدات الشخصية.

فالتعامل مع الدول يؤدى الى تسييس العمل الانساني، والعمل لمصلحة الحكومات، وهذا يعني لا عمل انساني في الواقع.

والمساعدات الشخصية ضئيلة جدا لاتسمن ولاتغني من جوع.

فلم يبقى الا اذا أصبحت الوصية بالثلث ثقافة تنتقل من الآباء الى الأجيال.

والورثة تتقبل هذه الوصية عادة بعد أن علمت بان حقها من الارث محفوظ.

25/1/2018

شارك مع: