التعبير عن الرأي بطريقة سلمية

لقد أجمعت القوانين العرفية في جميع دول العالم، والشرق الأوسط أيضاً، ان التعبير عن الرأي مكفول في القانون، الا أن تفسير هذه العبارة هي المشكلة الأساسية في الدول النامية، ولذلك نرى سجون كثير من الدول النامية مملوءة ممن أبدى رأيه في موضوع ما.

وعندما أقول النامية لم أقصد الفقيرة اقتصادياً، انما اعني الدول الفقيرة فكرياً واجتماعياً، حيث أن الأغلب من مسؤوليها لايملكون النضوج الفكري ولم (بل ولن) يجرؤ على التفكير في الموضوع، حيث أنهم (وبتصورهم) هم أصحاب القرار في القبول أو الرفض في كل القضايا، مع أنهم يعلمون علم اليقين أن الأجواء العالمية والضغوط الدولية وقضايا حقوق الإنسان وغيرها، لها التأثير الكبير على القرارات التي يتخذها الدول.

وهذا يشمل دول عظمى مثل روسيا والصين أيضاً.

ولذلك نجد أن بعضهم يصنع من ملف حرية التعبير ملفاً أمنياً لكي يسهل عملية القبض على أناس سلميين لهم معتقداتهم الخاصة.

ولا فرق في هذه المعتقدات من ان تكون موافقة أو مخالفة للدين أو المذهب.

وحتى يتخلصوا من سلمية الفكر أو الحركة، يسجلون في الملف عبارات براقة توحي الى مالا يرضى به صاحبه، مثل: التواطؤ، الإضرار بالمصلحة الوطنية، المشاركة في مؤامرة تحريض ضد سلطة الدولة، والمساس بالوحدة الوطنية و..  وكل ذلك لتشديد الخناق على حرية التعبير.

فمن الطبيعي ان التعارض الفكري أو السياسي يستوجب مناقشة معتقدات أو تصرفات المسؤول في الدولة مثلاً، حيث أن المعارض أحيانا يكشف أسرار رئيس الحكومة وما يملكه من أموال منقولة أوغيرها كدليل لتوضيح كلامه ، أو كشف المستور من عامة الشعب، كما حصل مع المعارض الروسي.

حتى أنهم (الحكومات غير الناضجة) وفي السجن وعن طريق غسل الدماغ أثناء التحقيق يلقّنون السجين بأنه متهم، ولذلك نجده عندما يطلق سراحه بعد فترة من تنفيذ الحكم ويخرج من السجن يقول: كنت أتمنى البراءة بما أنني لم أفعل شيئا.

فالحكومات وبدل أن تتفهم الوضع السياسي العالمي وما يجري في البلد من تغييرات سياسية أو اقتصادية، أو… وتفسح المجال لحامل الفكر المستقل حتى ينمو، تبذل جل جهدها لتطبيق الأحكام القاسية عليه، كما حصل في الجزائر (مؤخراً في قضية الطالب وليد نقيش) حيث أن النيابة العامة قد طالبت إنزال عقوبة السجن المؤبد بحق شاب جامعي أراد التعبير عن حقه في إبداء الرأي الذي كفله القانون.

وعلى الأغلب و قبل أن يفعل المتهم شيئاً، يتم القاء القبض عليه بتهمة الارادة لفعلٍ ما.

وهذا يذكرني بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حادث مؤلم أبكى رسول الله صلى الله عليه وآله.

لنقرأ القصة بإمعان وتأمل.

روى البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكفَّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لي: يا أسامة، أقتلْتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: فقال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال: فمازال يُكرِّرها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم).

وفي رواية لمسلم: قال أسامه: (قلتُ يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فمازال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ).

وفي رواية ذكرها ابن القيم في زاد المعاد: (أفلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أمْ كاذب؟).

والأهم من كل ذلك أنهم (الحكومات) يتناسون سلمية العمل أو الحركة الفكرية ويحكمون على المعارض الذي أراد تنفيذ القانون المتفق عليه.

والذي يحز في القلب أن هذه الدول تتستر بستار الإسلام مع الأسف، مما أدى أفعالهم الى تشويه سمعة الاسلام، وهذا حرام بإجماع المسلمين سنة وشيعة، لكن لاحول للمسلمين، ولا لرسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الدنيا الدنية، ولذك كان (رفع الله شأنه) يتأوه كثيراً مما سيفعله المسلمون من بعده.

20 جمادى الثانية 1442

شارك مع: